فصل: الجملة الأولى في التعريف باسم جنكزخان ومصير الملك إليه وما كان له من الأولاد وتقسيمه الملك فيهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية:

وفيه أربعة فصول:

.الفصل الأول في الممالك والبلدان الشرقية عنها وما ينخرط في سلكها من شمال أو جنوب:

وفيه مقصدان:

.المقصد الأول في الممالك الصائرة إلى بيت جنكزخان:

وفيه ثلاث جمل:

.الجملة الأولى في التعريف باسم جنكزخان ومصير الملك إليه وما كان له من الأولاد وتقسيمه الملك فيهم:

أما اسمه فقد ذكر في مسالك الأبصار: عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن اسمه في الأصل تمرجين، وأنه لما عظم شأنه سمي جنكزخان. وقد ذكر في مسالك الأبصار عن بعضهم: أن الصواب في النطق به جنكص خان بالصاد بدل الزاي.
وأما نسبه فقد ذكر في مسالك الأبصار أيضاً أنه جنكزخان، بن بيسوكي، بن بهادر، بن تومان، بن برتيل خان، بن تومنيه، بن بادسنقر، بن تيدوان ديوم، بن بغا، بن بودنجه، بن ألان قوا، وألان قوا هذه امرأة من قبيلة من التتر تسمى قبات من أعظم قبائلهم شهرة، كانت متزوجة بزوج أولادها ولدين اسم أحدهما بكتوت، والآخر بلكتوت؛ ومن عقبهما الطائفة المعروفة في قبائل التتار بالدلوكة إلى الآن؛ ثم مات زوج ألان قوا أبو هذين الاثنين وبقيت ألان قوا أيماً فحملت فأنكر عليها الحمل، وحملت إلى ولي أمرهم حينئذ فسألها ممن حملت؟ فقالت: إني كنت جالسة وفرجي مكشوف، فنزل نور ودخل فرجي ثلاث مرات فحملت منه هذا الحمل، وأنا حامل بثلاثة ذكور، كل مرة من دخول ذلك النور بذكر، فأمهلوني حتى أضع، فإن وضعت ثلاثة ذكور فاعلموا صدقي، وإلا فدونكم وما ترون؛ فأمهلوها حتى ولدت فأتت بثلاثة ذكور، فسمت أحدهم يوقن قوتاغي، والثاني بوسن ساغي، والثالث بودنجر، وهو جد جنكزخان. وأولاد هذه الثلاثة يعرفون بين التتر بالنورانيين نسبة إلى النور الذي زعمت أنه دخل فرجها فحملت منه. قال في مسالك الأبصار: وهذه أكذوبة قبيحة، وأحدوثة غير صحيحة؛ وإن صحت عن المرأة فلعلها كانت قد سمعت بقصة مريم البتول عليها السلام، فاحتالت لسلامة نفسها بالتشبه بشأنها.
وأما مصير الملك إليه فقد اختلف فيه على مذهبين: أحدهما ما حكاه في مسالك الأبصار عن الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني: أنه كان يملك الترك ملك من عظماء الملوك يدعى أزبك خان، فتردد إليه جنكزخان في حال صغره وخدمه، فتوسم فيه النجابة فقربه وأدناه وزاده في الارتقاء على أقاربه، فحسدوه فوشوا به إلى الملك حتى غيروه عليه فأضمر له المكايد؛ وكان بالقرب من أزيك خان ملكهم صغيران يخدمانه فاطلعا على ما أضمره الملك لجنكزخان وعرفاه ما أضمره الملك له وحذراه؛ وكان جنكزخان قد لف لفيفاً عظيماً فجمع لفيفه من قبائل التتر وقصد ذلك الملك في جيوشه، وكان من أعظم القبائل المجيبة لدعوته قبيلتان: إحداهما تدعى إديرات والأخرى فيقورات مع قبيلته قبات المقدم ذكرها، فجرد العساكر لأزبك خان وجرت الحرب بينهما فقتل أزبك خان وملك جنكزخان وقرب كلاً من الصغيرين وجعل كلاً منهما ترخاناً، وكتب لهما بفراغهما من جميع المؤن والكلف إلى سبعة أبطن من أولادهما.
الثاني ما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه عن محمد بن أحمد بن على المنشئي: كاتب إنشاء السلطان جلال الدين محمد بن خوارزم شاه: أن مملكة الصين كانت منقسمةً من قديم الزمان إلى ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر، يتولى أمر كل جزء منها خان نيابةً عن خانهم الأعظم بطمغاج قاعدة الصين. إلى أن كان خانهم الأكبر في زمان السلطان خوارزم شاه يسمى الطرخان، وكان من جملة الخانات الستة الذين ينوبون عنه شخصٌ يسمى دوشي خان، وكان متزوجاً بعمة جنكزخان فمات دوشي خان زوج عمة جنكزخان، فحضر جنكزخان إلى عمته معزياً، وكان يجاور دوشي خان خانٌ من الخانات الستة يسمى أحدهما كشلوخان والآخر قلان؛ فأرسلت زوجة دوشي خان إليهما بنعي زوجها إليهما وتلاطفهما في استقرار جنكزخان ابن أخيها مكانه في الخانية على أن يكونا معاضدين له، فأجاباها إلى ذلك. فاستقر جنكزخان في الخانية مكان دوشي خان زوج عمته، فبلغ ذلك الخان الأعظم الطرخان فأنكر ذلك على كشلوخان وقلان المذكورين، فاتصل ذلك بهما فاجتمعا هما وجنكزخان وخلعوا طاعة الطرخان، ثم مات أحد الخانين وخلف ابناً اسمه كشلوخان فغلب جنكزخان على ملكه، ثم مات الخان الآخر واستقل جنكزخان بالملك، ثم غلب على خوارزم شاه، ثم على ابنه جلال الدين واستقل بما وراء النهر.
وأما أولاد جنكزخان فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الصاحب علاء الدين الجويني المقدم ذكره أنه كان له عدة أولاد ذكور وإناث من الخواتين والسراري، وكان أعظم نسائه أبو بولي، من تيكي، ومن رسم المغل تعظيم الولد بنسب والدته، وكان له من هذه أربعة أولاد معدين للأولاد الخطيرة، هم لتخت ملكه بمنزلة أربع قوائم؛ وهم توشي وجفطاي، وهو أصغرهم، وأوكداي، وأوتكين نويان، وأنه جعل موضعه نقطة دائرة ملكه وبنيه حوله كمحيط الدائرة، فجعل ابنه أوكداي ولي عهده ورتبه لما يتعلق بالعقل والرأي والتدبير والولاية والعزل واختيار الرجال والأعمال وعرض الجيوش وتجهيزها، وكان موضعه في حياة أبيه حدود ايمك وقراباق. فلما جلس بعد أبيه على تخت الملك، انتقل إلى الموضع الأصلي بين الخطا وبلاد الايغور، وأعطى ذلك الموضع لولده كيوك. وجعل لابنه أوتكين حدود بلاد الخطا؛ وعين لابنه الكبير توشي حدود قيالق؟ إلى أقصى سفسفين؟ وبلغار، ورتبه على الصيد والقنص؛ وجعل لابنه جفطاي حدود بلاد الأيغور إلى سمرقند وبخارا، ورتبه لتنفيذ النائبات والأمور والمقابلات وما أشبه بذلك. قال ابن عطاء ملك: وكانت أولاده تزيد على عشرة آلاف.
وذكر عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن جنكزخان أولد أربعة أولاد، وهم جوجي: وهو أكبرهم، وكداي، وطولي، وأوكداي، فقتل جوجي في حياة أبيه وخلف أولاداً. قال ابن الحكيم الطياري: وهم باتو ويقال باطو، وأورده، وبركه، وتولي، وحمتي. قال الشيخ شمس الدين المذكور: والمشهور باتو وبركه، وأوصى بأن يكون تخته لولده الصغير أوكداي وأن تكون مملكة ما وراء النهر وما معه لولده الآخر كداي، وجعل لابنه جوجي دشت القبجاق وما معه وأضاف إليه إيران وتبريز وهمذان ومراغة، ولم يحصل لطولي شيء. فلما مات جنكزخان استقل أوكداي بتخت أبيه، واستقل جوجي بدشت القبجاق وما معه، واستقل باتو ابن جوجي فيما جعله جده جنكزخان لأبيه جوجي من إيران وتبريز وما مع ذلك، ولم يتمكن كداي من مملكة ما وراء النهر، ثم مات أوكداي مالك التخت وملك بعده ولده كيوك، وكان جباراً قوي النفس فحكم على بني أبيه فقهرهم وانتزع ما بيد باتو بن جوجي من إيران وسائر ما معها، وأقام بها أميراً اسمه الجكراي. ثم جرى بينهم اختلاف كان آخر الأمر فيه أن أمسك الجكراي وقتل وحمل إلى باتو بن جوجي وطبخه وأكله، فبلغ ذلك كيوك صاحب التخت فشق عليه وجمع ستمائة ألف فارس، وجمع باتو للقائه وسار كل منهما لمحاربة الآخر حتى كان بينهما عشرة أيام مات كيوك فكتب خواتينه إلى باتو يعلمونه بموته ويسألونه في أن يكون عوضه على تخت جنكزخان، فلم يرض ذلك وميزله منكوتان بن تولي بن جوجي بن جنكزخان، وجهز معه إخوته قبلاي خان وهولاكو: ولدا تولي، ووجه معهم باتو أخاه بركة بن جوجي في مائة فارس للجلسة على التخت ثم يعود، فتوجه بركة بمنكوتان فأجلسه على التخت، ثم عاد فمر في طريقه ببخارا، فاجتمع فيها بالشيخ شمس الدين الباخرزي من أصحاب شيخ الطريقة نجم الدين كيزي وحادثه فحسن موقع كلامه منه فأسلم على يده، وهو أول من أسلم من بيت جنكزخان، وأشار الباخرزي على بركة بموالاة المستعصم خليفة بني العباس ببغداد يومئذ، فكاتبه وهاداه وترددت الرسل والمكاتبات بينهما. ثم إن منكوتان بعد استقلاله بتخت جده جنكزخان ملك أولاد جفطاي مملكة ما وراء النهر تنفيذاً لما كان جنكزخان أوصى به لأبيهم جفطاي كما تقدم ومات دونه، وعلت كلمة منكوتان صاخب التخت ووصلت إليه كتب أهل قزوين وبلاد الجبال يشكون من سوء مجاورة الملاحدة: وهم الإسماعيلية فجهز إليهم منكوتان أخاه مكوتان لقتال الملاحدة وأخذ قلاعهم، وأن يضم إلى ذلك بلاد الخليفة المستعصم فبلغ ذلك بركة بن جوجي فشق عليه لصداقته مع الخليفة، وكلم أخاه باتو في ذلك فكتب باتو إلى هولاكو يمنعه من التعرض لممالك الخليفة، فوافاه الكتاب قبل أن يعبر نهر جيحون، فأقام هناك سنتين حتى مات باتو وتسلطن أخوه بركة بعده فكتب هولاكو إلى أخيه منكوتان يستأذنه في إنقاذ ما كان عزم عليه من أخذ ممالك الخليفة وحسن له ذلك فلم يأذن له فيه فأصر هولاكو على عزمه فأوقع بالملاحدة وقتل جماعة اتهمهم بممالأة بركة، واشتد في البلاد وقصد دشت القبجاق بلاد بركة فدهمه بركة بعساكره فكانت الدائرة على هولاكو فكر راجعاً ودخل بلاد الخليفة وقبض عليه وقتله وملك بلاده. وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

.الجملة الثانية في عقيدة جنكزخان وأتباعه في الديانة إلى أن أسلم من أسلم منهم وما جرت عليه عادتهم في الآداب وحالهم في طاعة ملوكهم:

أما عقيدتهم فقد قال الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني: إن الظاهر من عموم مذاهبهم الإدانة بوحدانية الله تعالى، وأنه خلق السموات والأرض، وأنه يحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، وأنه على كل شيء قدير، وأن منهم من دان باليهودية، ومنهم من دان بالنصرانية، ومنهم من اطرح الجميع، ومنهم من تقرب بالأصنام. قال: ومن عادة بني جنكزخان أن كل من انتحل منهم مذهباً لم ينكره الآخر عليه؛ ثم الذي كان عليه جنكزخان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة التي قررها، وهي قوانين خمنها من عقله وقررها من ذهنه، رتب فيها أحكاماً وحدد فيها حدوداً بما وافق القليل منها الشريعة المحمدية، وأكثرها مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى، وقد اكتتبها وأمر أن تجعل في خزانته تتوارث عنه في أعقابه وأن يتعلمها صغار أهل بيته.
منها أن من زنى قتل، ومن أعان أحد خصمين على الآخر قتل، ومن بال في الماء قتل، ومن أعطي بضاعة فخسر ثم أعطي ثانياً فخسر ثم أعطي ثالثاً فخسر قتل، ومن وقع حمله أو قوسه فمر عليه غيره ولم ينزل لمساعدته قتل، ومن وجد أسيراً أو هارباً أو عبداً ولم يرده قتل، ومن أطعم أسير قوم أو سقاه أو كساه بغير إذنهم قتل، إلى غير ذلك من الأمور التي رتبها مما هم دائنون به إلى الآن، وربما دان به من تحلى بحلية الإسلام من ملوكهم. ومن معتقدهم في ذبح الحيوان أن تلف قوائمه ويشق جوفه ويدخل أحدهم يده إلى قلبه فيمرسه بيده حتى يموت أو يخرج قلبه. ومن ذبح ذبحة المسلمين ذبح.
وأما عاداتهم في الأدب فكان من طريق جنكزخان أن يعظم رؤساء كل ملة ويتخذ تعظيمهم وسيلة إلى الله تعالى؛ ومن حال التتر في الجملة إسقاط المؤن والكلف عن العلويين وعن الفقهاء والفقراء والزهاد والمؤذنين والأطباء وأرباب العلوم على اختلافهم ومن جرى هذا المجرى.
ومن آدابهم المستعملة أن لا يأكل أحد من يد أحد طعاماً حتى يأكل المطعم منه ولو كان المطعم أميراً والآكل أسيراً، ولا يختص أحد بالأكل وحده بل يطعم كل من وقع بصره عليه، ولا يمتاز أمير بالشبع من الزاد دون أصحابه بل يقسمونه بالسوية، ولا يخطوا أحدٌ موقد نار ولا طبقاً رآه، ومن اجتاز بقوم يأكلون فله أن يجلس إليهم ويأكل معهم من غير إذن. وأن لا يدخل أحدٌ يده إلى الماء بل يأخذ منه ملء فيه ويغسل يديه ووجهه، ولا يبول أحدٌ على الرماد. ويقال إنهم كانوا لا يرون غسل ثيابهم البتة، ولا يميزون بين طاهر ونجس.
ومن طرائقهم أنهم لا يتعصبون لمذهب، وأن لا يتعرضوا لمال ميت أصلاً، ولو ملء الأرض، ولا يدخلونه خزانة السلطان.
ومن عاداتهم أنهم لا يفخمون الألفاظ، ولا يعظمون في الألقاب حتى يقال في مراسيم السلطان القان بكذا من غير مزيد ألقاب.
وأما حالهم في طاعة ملوكهم فإنهم من أعظم الأمم طاعة لسلاطينهم، لا لمال ولا لجاه بل ذلك دأب لهم حتى إنه إذا كان أمير في غاية من القوة والعظمة وبينه وبين السلطان كما بين المشرق والمغرب متى أذنب ذنباً يوجب عقوبة وبعث السلطان إليه من أخس أصحابه من يأخذه بما يجب عليه ألقى نفسه بين يدي الرسول ذليلاً ليأخذه بموجب ذنبه، ولو كان فيه القتل.
ومن طريق أمرائهم أنه لا يتردد أمير إلى باب أمير آخر، ولا يتغير عن موضعه المعين له. فإن فعل ذلك عوقب أو قتل، وإذا عرضوا آلات الحرب على أمرائهم وفوا في العرض حتى بالخيط والإبرة، ورعاياهم قائمون بما يلزمون به من جهة السلطان طيبةً به نفوسهم، وإن غاب أحد من الرجال قام النساء بما عليهم.

.الجملة الثالثة في ذكر ممالك بني جنكزخان على التفصيل:

وهي مملكتان:
المملكة الأولى: مملكة أيران:
بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة تحت والراء المهملة وألف ونون. وهي مملكة الفرس، وتعرف بأيران بن أشور بن سام بن نوح عليه السلام، وهو أول من ملكها وأضيفت إليه وعرفت به. قال في التعريف: وهي مملكة الأكاسرة. ثم قال: وهي من الفرات إلى نهر جيحون حيث بلخ، ومن البحر الفارسي وما صاقبه من البحر الهندي إلى البحر المسمى بالقلزم بحر طبرستان، وهي المملكة الصائرة إلى بيت هولاكو. قال: وقد دخل فيها مملكة الهياطلة، وهي مملكة مازندران وما يليها إلى آخر كيلان، وطبرستان واقعة بين مازندران وكيلان، ومازندران الآخذة شرقاً، وكيلان الآخذة غرباً.
وقال في مسالك الأبصار: هذه المملكة طولاً من نهر جيحون المحيط بآخر خراسان إلى الفرات القاطع بينهما وبين الشام، وعرضها من كرمان المتصل بالبحر الفارسي المنقسم من البحر الهندي إلى نهاية ما كان بيد بقايا الملوك السلجوقية بالروم على نهاية حدود العلايا وأنطاليا من البحر الرومي. قال: ويفصل في الجانب الشمالي بين هذه المملكة وبين بلاد القبجاق النهر المجاور لباب الحديد المسمى باللغة التركية دقرقبو، وبحر طبرستان المسمى نهر الخزر. ثم قال: وأخبرني الفاضل نظام الدين أبو الفضل يحيى بن الحكيم الطياري أن هذه المملكة تكاد تكون مربعة، فيكون طولها بالسير المعتاد أربعة أشهر، وعرضها أربعة أشهر. وهي من أجل ممالك الأرض، وأوسطها في الطول والعرض، متوسطة في الطول والعرض. وإذا أنصفت كانت في قلب الدنيا على الحقيقة، ذات أقاليم كثيرة ومدن كبيرة، مشتملة على رساتيق وأعمال وخطط وجهات، وهي ممتدة من بلاد الشام وما على سمتها إلى بلاد السند والهند وما والاهما.
ولها جانبان: جنوبي وشمالي.
الجانب الأول: الجنوبي ويشتمل على ستة أقاليم:
الإقليم الأول: الجزيرة الفراتية:
وهي أقرب أقطار هذه المملكة لمملكة الديار المصرية والشامية لمجاورتها بلاد الشام. قال في تقويم البلدان: ويحيط بها الفرات من حدود بلاد الروم، وهو طرف الحد الغربي الجنوبي للجزيرة. فيمتد الحد الجنوبي الغربي مع الفرات إلى مليطة، إلى شمشاط، إلى قلعة الروم، إلى البيرة، إلى قبالة منبج، إلى السن، إلى الرقة، إلى قرقيسيا، إلى الرحبة، إلى هيت، إلى الأنبار. ثم يخرج الفرات عن تحديد الجزيرة ويعطف الحد من الأنبار إلى تكريت، وهي على نهر دجلة إلى بالس، إلى الحديثة على دجلة إلى الموصل. ثم يعطف من الموصل إلى جزيرة ابن عمر، إلى آمد. ثم يصير الحد غربياً ممتداً بعد أن يتجاوز آمد على حدود إرمينية، إلى حدود بلاد الروم، إلى الفرات عند مليطة من حيث وقع الابتداء. قال: فعلى هذا يكون بعض إرمينية وبعض الروم غربي الجزيرة، وبعض الشام وبعض البادية جنوبيها، والعراق شرقيها، وبعض إرمينية شماليها.
قال في تقويم البلدان: وتشتمل الجزيرة على ديار ربيعة وديار مضر يعني بالضاد المعجمة وبعض ديار بكر، وهم القبائل الذين كانوا ينزلونها في القديم على ما تقدم ذكره في الكلام على أحوال العرب في المقالة الأولى.
قال في مسالك الأبصار: وقد كانت هذه الجزيرة مجموعها مملكة جليلة باقية بذاتها في الدولة الأتابكية يعني دولة أتابك زنكي صاحب الموصل والد نور الدين الشهيد صاحب دمشق، وقاعدتها الموصل. قال في اللباب: بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد المهملة ولام في الآخر- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: حيث الطول سبعٌ وثلاثون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة.
وهي على دجلة من الجانب الغربي، ويقابلها من الجانب الشرقي مدينة نينوى التي بعث يونس عليه السلام إلى أهلها. وهي الآن خراب. وفي جنوبي الموصل مصب الزاب الأصغر في دجلة، وهي في مستوٍ من الأرض؛ ولها سوران قد خرب بعضهما، وسورها اكبر من سور دمشق. قال المؤيد صاحب حماة: والعامر منها في زماننا نحو ثلثيها، ولها قلعة قد صارت في جملة الخراب. قال قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون: وهي قاعدة ملك قديم يعرف قديماً بمملكة الجرامقة، وكانت قد صارت إلى عماد الدين زنكي: والد نور الدين الشهيد، ثم اتفق بها الحال إلى أن دخلت في مملكة التتر من بني هولاكو. قال ابن خرداذبه في كتابه في المسالك والممالك: ومن أقام بها سنة ثم...... عقلة وجده قد نقص، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. وذكرها في التثقيف وذكر أنه كان بها الأمير أردبغا قبل أن يحصل عليها من بيرم خواجا ثم أبو القان أويس.
ثم بها عدة مدن وقلاع مشهورة.
منها ماردين. قال في اللباب: بفتح الميم وسكون الألف وكسر الراء والدال المهملتين ثم ياء مثناة من تحتها ونون- وهي قلعة بديار ربيعة من هذه الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع. قال في الأطوال: حيث الطول أربع وستون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي على جبل عال، من الأرض إلى ذروته نحو فرسخين.
قال ابن حوقل: وهي قلعة منيعة لا يستطاع فتحها عنوة، وبجبلها جواهر الزجاج، وبه حيات تفوق غيرها بسرعة القتل.
واعلم أن ماردين هذه بيد ملوكها من بني أرتق، لها بيدهم الأمد الطويل، لم تزل أيديهم عنها مذ ملكوها. قال القاضي ولي الدين بن خلدون في تاريخه: وأول من ملكها منهم ياقوتي بن ارتق بعد السبع والأربعمائة،؛ تملكها من يد مغن سكان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي أقطعها له، ثم ملكها بعد ياقوتي المذكور أخوه علي، ثم عمه سقمان، ثم أخوه إيلغازي، ثم ابنه حسام الدين تمرتاش، ثم ابنه قطب الدين البي، ثم ابنه نظام الدين إيلغازي، ثم ابنه حسام الدين بولق أرسلان، ثم أخوه قرا أرسلان، ثم ابنه شمس الدين داود، ثم أخوه نجم الدين غازي، وتلقب بالمنصور وهو أول من تلقب بألقاب السلطنة منهم، ثم ابنه شمس الدين صالح وتلقب بالصالح، ثم ابنه أحمد وتلقب بالمنصور، ثم ابنه محمود وتلقب بالصالح، ثم ابنه فخر الدين داود، وتلقب بالمظفر، ثم ابنه نور الدين عيسى، وتلقب بالظاهر، وهو القائم بملكها إلى الآن، وهو الظاهر عيسى، بن المظفر داود، بن صالح محمود، بن المنصور أحمد، بن الصالح صالح ابن المنصور غازي، بن المظفر قرا أرسلان، بن المنصور أرتق أرسلان بن بولق أرسلان بن إيلغازي، بن ألبي، بن تمرتاش، بن إيلغازي، بن أرتق.
ولما ملك هولاكو بغداد وأعمالها كان القائم بملك ماردين يومئذ المظفر قرا أرسلان فأعطاه الطاعة وخطب له في جميع أعماله، وتبعه على ذلك من بعده من ملوكها إلى حين موت القان أبي سعيد من بقايا الملوك الهولاكوية، فقطع الخطبة لصاحب بغداد وما معها وخطب لنفسه، والأمر على ذلك إلى الآن، وملوكها موادون لملوك الديار المصرية والمكاتبات بينهم متواصلة.
ومنها حصن كيفا. قال في تقويم البلدان: بحاء وصاد مهملتين ثم نون ثم كاف وياء مثناة من تحت وفاء وألف- وهي مدينة من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع. قال في الأطوال: حيث الطول أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في اللباب: وهي من ديار بكر. قال في المشترك: وهي على دجلة بين جزيرة ابن عمر وبين ميا فارقين. قال في اللباب: والنسبة إليها حصكفي- بفتح الحاء وسطون الصاد وفتح الكاف وفاء ثم ياء النسب. قال في التعريف: وملكها من بقايا الملوك الأيوبية وممن ينظر إليه ملوك مصر بعين الإجلال، لمكان ولائهم القديم لهم، واستمرار الوداد الآن. قال في التثقيف: وأخبرني المقر السيفي منجك كافل الممالك الشريفة أن الملك الناصر محمد بن قلاوون كان يعظم سلفه فإنه كان أستاذ قلاوون والده. قال في التعريف: وكان آخر وقت منهم الملك الصالح قصد الأبواب السلطانية. فلما أتى دمشق عقبته الأخبار بأن أخاه قد ساور سريرهس، وقصد بسلطته سلطانه. فكر راجعاً ولم يعقب، فما لبثت الأخبار أن جاءت بأنه حين صعد قلعته، وكر نحو سريره رجعته، وثب عليه أخوه المتوثب فقتله وسفك دمه، ثم اظهر عليه ندمه. وكتب إلى السلطان فأجيب بأجوبة دالة على عدم القبول لأعذاره والسرائر مكدرة، والخواطر بعضها من بعض منفرة.
وذكر في التثقيف أن الذي اتضح له آخراً في رمضان سنة ست وسبعين وسبعمائة أن صاحبها الملك الصالح سيف الدين أبو بكر، ابن الملك العادل شهاب الدين غازي، ابن الملك العادل مجد الدين محمد، ابن الملك الكامل سيف الدين أبي بكر، ابن الملك الموحد تقي الدين عبد الله، ابن الملك المعظم سيف الدين توران شاه، ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب، ابن الملك الكامل ناصر الدين محمد، بن العادل أبي بكر بن أيوب. ثم قال: وما يبعد أن الصالح المذكور هو ابن عم العادل مجد الدين محمد، وأن العادل غازي لا حقيقة له. ثم قال: وهو غلط لأن المستقر إلى آخر سنة ثنتين وستين وسبعمائة وما بعدهما بمدة هو العادل مجد الدين، وكتبت إليه في هذه المدة بهذا الاسم واللقب، ولم يبلغنا أنه استقر بعده سوى ولده، ثم نقل أنه الصالح ونقل الناقل أنه ابن العادل وهو صحيح لكنه قال: إن اسمه شهاب الدين غازي بن العادل مجد الدين وفيه بعدٌ: كون الولد يلقب بلقب والده الملوكي. انتهى كلامه.
قلت: والذي أخبرني به بعض قصاد صاحبها في سنة تسع وتسعين وسبعمائة أن الملك القائم بها يومئذ اسمه سليمان بن داود، وذكر لي لقبه الملوكي فنسيته، وذكر أنه يقول الشعر، وأحضر معه بيتاً مفرداً من نظمه وهو:
وجاريةٍ تعير البدر نوراً ** ولولا نورها عاد الظلام

فنظمت له أبياتاً وبعثت بها إليه صحبة قاصده أولها:
سليمان الزمان بحصن كيفا ** له في الملك آثارٌ كرام

زكا أصلاً فطاب الفرع منه ** وطاب الغصن إذ طاب الكمام

بنو أيوب أبقوا منه ذخراً ** ونعم الذخر والقيل الهمام

وأثبت البيت الذي قاله في آخر هذه.
ومنها حران. قال في المشترك: بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين وفي آخرها نون بعد الألف- وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة المذكورة من الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول ثلاث وستون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وكانت حران مدينةً عظيمة أما اليوم فخراب. قال ابن حوقل: وهي مدينة الصابئين، وبها سدنتهم السبعة عشر، وبها تل مصلىً للصابئين يعظمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام، وهي قليلة الماء والشجر. قال في العزيزي: والجبل منها في سمت الجنوب والشرق على فرسخين، وتربتها حمراء، وشرب أهلها من قناة تجري من العيون خارج المدينة ومن الآبار، وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي في المكاتبات إن شاء الله تعالى.
ومنها شمشاط. قال في اللباب: بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الشين الثانية ثم ألف فطاء مهملة- وهي بلدة من ديار مضر، وقيل من ديار بكر من بلاد الجزيرة من الإقليم الرابع. قال في رسم المعمور حيث الطول اثنتان وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في اللباب: وهي بلدة الثغور الجزيرية بين آمد وبين خرت برت. وقال ابن حوقل: هي بنحر الجزيرة، وبها حاكمٌ يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها حيزان. قال في اللباب: بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الزاي المعجمة وألف ونون- وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع. اقل في تقويم البلدان: والقياس أن طولها خمس وستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في اللباب: وهي كثيرة الأشجار خصوصاً شجر البندق. قال: وهي بين جبال، ولها مياه سارحة، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية. وذكر في التثقيف أنه كان اسمه في زمانه عز الدين، ثم استقر بعده ابنه أسد الدين.
ومنها رأس عين. قال في تقويم البلدان: بفتح الراء المهملة ثم سين وعين مفتوحة مهملتان ومثناة تحت ونون في الآخر- وتسمى عين وردة أيضاً، وهي مدينة من دار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة في مستوٍ من الأرض. قال ابن حوقل: يخرج منها فوق ثلثمائة عين كلها صافية، ويصير من هذه الأعين نهر الخأبور، ووهم السمعاني فجعلها منبع دجلة. قال في العزيزي: وهي أول مدن ديار ربيعة من جهة ديار مضر، وذكر السمعاني أنها من ديار بكر، وأنكره ابن الأثير وقال: ليست من ديار بكر بل هي من الجزيرة. قال في اللباب: وهي على يومين من حران. النسبة إليها رسعني، وإليها ينسب الرسعني المفسر.
ومنها ميا فارقين. قال في اللباب: بفتح الميم وتشديد المثناة من تحتها وسكون الألفين بينهما فاء مفتوحة وبعدهما راء مهملة ثم قاف وياء آخر الحروف ونون. وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في رسم المعمور: حيث الطول خمس وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي قاعدة ديار بكر. وقال ابن حوقل: هي بين الجزيرة وبين إرمينية. قال في اللباب: وعليها سور حجرٍ دائرٌ، وهي دون حماة في القدر، وهي في ذيل جبل، في شماليها وهي في ذيله. قال في اللباب: والمياه والبساتين محدقة بها، ولها نهر صغير على شوط فرس منها، من عين تسمى عين حنبوص بين الغرب والشمال، تتخرق دورها وتسقي بساتينها، وبينها وبين الموصل على حصن كيفا نحو ستة أيام وعلى ماردين نحو ثمانية أيام، والنسبة إليها فارقي. قال في اللباب: أسقطوا بعضها لكثرة حروفها، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها قرقيسيا. قال في تقويم البلدان: المشهور بفتح القاف الأولى وكسر الثانية وبينهما راء مهملة ساكنة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة ثم ياء ثانية وألف- وهي مدينة من ديار مضر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول أربع وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في اللباب: وهي على الفرات والخأبور، على القرب من الرقة. قال في العزيزي: وهي شرقي الفرات والخأبور الخارج من رأس عين فيصب في الفرات على القرب منها. قال: وهي مدينة الزباء صاحبة جذيمة الأبرش، يعني الذي قتلته. قال في اللباب: وبها مات جرير بن عبد الله البجلي الصحابي رضي الله عنه. قال: والنسبة إليها قرقيسياني وقد تحذف النون وتجعل الياء عوضها.
ومنها ماكسين. قال في اللباب: بفتح وسكون الألف وكسر الكاف والسين المهملة وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في اللباب: وهي على الخأبور. قال في العزيزي: وبينها وبين قرقيسيا سبعة فراسخ، وبينها وبين سنجار اثنان وعشرون فرسخاً.
ومنها نصيبين. قال في اللباب: بفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها ثم باء موحدة وياء ثانية ونون- وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة من الإقليم الرابع. قال ابن سعيد: وهي قاعدة ديار ربيعة. قال: وهي مخصوصة بالورد الأبيض لا يوجد فيها وردةٌ حمراء، وفي شماليها جبل عظيم يقال إنه الجودي الذي استقرت عليه سفينة نوح عليه السلام، ومنه ينزل نهرها حتى يمر على سورها وعليه بساتينها، ونهرها يسمى الهرماس، وبها عقارب قتالة.
ومنها جزيرة ابن عمر- وضبطها معروف- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون: حيث الطول ست وستون درجة وعشر دقائق، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة صغيرة على دجلة من غربيها ذات بساتين كثيرة. وقال في المشترك: هي في شمالي الموصل ودجلة محيطة بها مثل الهلال، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها سنجار. قال في اللباب: بكسر السين المهملة وسكون النون وفتح الجيم وألف وراء مهملة- وهي مدينة من ديار ربيعة من الجزيرة، من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول ست وستون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي في جنوبي نصيبين- وهي من أحسن المدن وجبلها من أخصب الجبال. قال ابن حوقل: وهي في وسط برية ديار ربيعة بالقرب من الجبل والجبل من عاليها، وليس بالجزيرة بلد فيه نخيل سواها. وهي في جهة الغرب عن الموصل على ثلاث مراحل عنها؛ وهي على قدر المعرة من البلاد الشامية؛ ولها قلعة وبساتين كثيرة؛ وشربها من القني؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها تل أعفر- وضبط التل معروف، وأعفر بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الفاء وراء مهملة في الآخر- وهي من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ست وستون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في المشترك: وتل أعفر قلعةٌ بين سنجار وبين الموصل. وذكر في تقويم البلدان عن بعض أهلها أنها غربي الموصل فيما بينها وبين سنجار، وربما تكون إلى سنجار اقرب. وذكر في العزيزي أن بينها وبين سنجار خمسة فراسخ، ولها أشجار كثيرة؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها الحديثة. قال في تقويم البلدان: بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين ثم مثناة من تحت وثاء مثلثة وهاء في الآخر وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في المشترك: وهي في وسط الفرات والماء محيطٌ بها، وتعرف بحديثة النورة.
وهي غير حديثة الموصل: بليدة صغيرة، إلا أن لها ذكراً في القديم. قال في المشترك: وهي على فراسخ من الأنبار، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها عانة. قال في اللباب: بفتح العين المهملة وألف ونون وهاء في الآخر- وهي بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات. قال في اللباب: وهي تقارب الحديثة. وقال ابن حوقل: يطوف بها خليج من الفرات. قال ابن سعيد: وخمرها مذكور في الأشعار، واستشهد بقول بعض الشعراء:
ومن عانةٍ أم من مراشفك الخمر؟
وكثيراً ما تقرن في الذكر مع الحديثة لقربها فيقال عانة والحديثة، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها آمد. قال في اللباب: بمد الألف وكسر الميم وفي آخرها دال مهملة. وهي مدينة من ديار بكر، من الجزيرة، من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة أزلية على دجلة. قال ابن حوقل: وعليها سورٌ في غاية الحصانة. قال في العزيزي: وسورها من الحجارة السود التي لا يعمل فيها الحديد، ولا تضر بها النار، وهو مشتمل عليها وعلى عيون ماء؛ ولها بساتين ومزارع كثيرة. قال ابن حوقل: وهي كثيرة الخصب.
ومنها سعرت. قال في تقويم البلدان نقلاً عن صالح: بكسر السين والعين وسكون الراء المهملات ودال مهملة في الآخر- وهي مدينة من ديار ربيعة، من الجزيرة، من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: وهي مبنية على جبل تحيط بها الوطاة، على القرب من شط دجلة من جهة الشمال والشرق، وهي في المقدار أكبر من المعرة، وبها الأشجار الكثيرة من التين والرمان والكروم، جميع ذلك عذيٌ لا يسقى، وشرب أهلها من بئار قريبةٍ من وجه الأرض؛ وهي عن ميافارقين على مسيرة يوم ونصف في جهة الجنوب، وعن آمد على مسيرة أربعة أيام في جهة الشمال منها، وعن الموصل على خمسة أيام في جهة الشرق والشمال عنها.
ومنها تكريت. قال في اللباب: بكسر المثناة من فوق وسكون الكاف وكسر الراء المهملة ثم ياء مثناة من تحت في آخرها تاء مثناة من فوق- وهي مدينة من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون: حيث الطول تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة واثنتا عشرة دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق على غربي دجلة في بر الموصل. قال في اللباب: وسميت تكريت بتكريت بنت وائل أخت بكر بن وائل.
أما قلعتها فبناها سأبور بن أردشير بن بابك، وهي الآن خراب. قال ابن سعيد: وفي جنوبيها وشرقيها النهر الإسحاقي، حفره إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة المتوكل، وهو أول حدود سواد العراق، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها برقعيد- بفتح الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف وكسر العين المهملة وسكون المثناة من تحتها ودال مهملة في الآخر. قال في العزيزي: وهي مدينة لها سور وأسواق كثيرة.
ومنها العمادية- بكسر العين المهملة وفتح الميم وبعدها ألف ثم دال مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر. قال في تقويم البلدان: وهي قلعة عامرة على ثلاث مراحل من الموصل في الشرق والشمال، وهي على جبل من الصخر، وتحتها مياهٌ جارية وبساتين؛ وهي في جهة الشمال عن إربل، بناها عماد الدين زنكي صاحب الموصل فنسبت إليه؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بديار المصرية.
ومنها قلعة كشاف. قال في تقويم البلدان: بضم الكاف وبالشين المعجمة ثم ألف وفاء في الآخر- وهي قلعة عامرة بين الزاب والشط، قريبة من مصبه في الشط وهي في الشرق والجنوب عن الموصل. قلت: وقد ذكرها في تقويم البلدان أولاً في جملة بلاد الجزيرة ووصفها بهذا الوصف ولم يضبطها، ثم ذكرها في بلاد الجبل المعروفة بعراق العجم بهذا الوصف أيضاً وضبطها على ما تقدم، ولا ظاهر أنها من بلاد الجزيرة؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها قلعة فنك. قال في تقويم البلدان نقلاً عن أبي المجد في كتاب التمييز: بفتح الفاء والنون- وهي قلعة حصينة فويق جزيرة ابن عمر.
ومنها الشوش. قال في المشترك: بضم الشين المعجمة وسكون الواو ثم شين ثانية. قال: وهي قلعة مشهورة من أعمال الموصل في الجبال شرقي دجلة، وإليها ينسب حب الرمان الشوشي.
ومنها عقر الحميدية. قال في المشترك: بفتح العين المهملة وسكون القاف ثم راء مهملة- وهي قلعة حصينة مشهورة، والحميدية قبيلة من الأكراد بتلك البلاد.
ومنها الهتاخ. قال في مزيل الارتياب: بفتح الهاء وتشديد التاء المثناة من فوقها وفتحها وبعد الألف خاء معجمة. قال في تقويم البلدان: وهي قلعة حصينة.
ومنها حاني. قال في اللباب: على وزن داعي، يعني بفتح الحاء المهملة وبعدها ألف ثم نون مكسورة وياء مثناة تحت في الآخر. قال: هذا ما تعرف به الآن، ولكن السمعاني قد قال فيها حنا، بفتح الحاء المهملة والنون؛ وهي مدينة من ديار بكر من الجزيرة من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية معدود في الأكراد.
واعلم أن هذه الجزيرة مجاورة لمملكة الديار المصرية من حيث اتصالها بالبلاد الشامية من الجهة الشرقية، وقد تقدم أن بعض بلادها داخلة في أعمال حلب من ممالك الديار المصرية كالرها وقلعة جعبر وما والاها، والمسافة ما بين حلب والرها معلومة؛ ومن الرها إلى حران يوم واحد؛ ومن حران إلى رأس عين ثلاثة أيام، ومن رأس عين إلى نصيبين ثلاث مراحل؛ ومن نصيبين إلى الموصل أربع مراحل. وقد تقدم أن الموصل هي قاعدة الجزيرة في القديم، ومن الموصل إلى تكريت سبعة أيام، وقد تقدم أن تكريت هي آخر مدن الجزيرة مما يلي العراق، ومن الموصل أيضاً إلى آمد أربعة أيام؛ ومن آمد إلى شمشاط ثلاثة أيام.
الإقليم الثاني: العراق:
قال في اللباب: بكسر العين وفتح الراء المهملتين ثم ألف وقاف. قال الجواهري: وهو يذكر ويؤنث. قال أبو المجد إسماعيل الموصلي في كتابه المسمى بالتمييز والفصل: وإنما سميت عراقاً لأنه سفل عن نجدٍ ودنا من البحر، أخذاً من عراق القربة، وهو الخرز الذي في أسفلها؛ ويغرف بعراق العرب لأن العرب كانت تنزله لقربه من بلادهم. قال في تقويم البلدان: ويحيط به من جهة الغرب الجزيرة والبادية؛ ومن الجنوب البادية وبحر فارس وحدود خوزستان؛ ومن الشرق حدود بلاد الجبال إلى حلوان؛ ومن الشمال من حلوان إلى الجزيرة من حيث وقع الابتداء.
قال: والعراق على ضفتي دجلة مثل ما بلاد مصر على ضفتي النيل، ويجري دجلة من الشمال بميلة إلى الغرب، إلى الجنوب بميلة إلى الشرق، وامتداد العراق طولاً وشمالاً وجنوباً من الحديثة على دجلة إلى عبادان على مصب دجلة في بحر فارس، وامتداده غرباً وشرقاً من القادسية إلى حلوان. فالحديثة في وسط الحد الشمالي بميلة إلى الغرب، والقادسية في وسط الحد الغربي بميلة إلى الجنوب، وعبادان في وسط الحد الجنوبي بميلة إلى الشرق، وحلوان في وسط الحد الشرقي بميلة إلى الشمال، ووسط العراق الذي من القادسية إلى حلوان هو أعرض ما في العراق. وأما العراق الذي عند عبادان، فيدق عن ذلك. ثم قال: والذي يستدير على العراق- يعني والعراق على شماله- إذا ابتدأ من تكريت من بلاد الجزيرة المتقدمة، يمر منها إلى حدود شهرزور؛ وهي بين الشرق والشمال عن العراق، ثم إلى السيروان، وهي في الشرق، إلى حدود جبا، وهي في الشرق والجنوب، ثم إلى البحر يعني بحر فارس، وهو في الجنوب عن العراق. وفي هذا الحد من تكريت إلى البحر تقويسٌ، ثم من البحر إلى البصرة، وهي في الجنوب عن العراق، ثم من البصرة إلى البادية على سواد البصرة، ثم إلى بطائح البصرة، ثم إلى واسط، ثم إلى سواد الكوفة وبطائحها، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار، ثم من الأنبار إلى تكريت حيث وقع الابتداء.
ثم للمدن قواعد ومدن.
القاعدة الأولى: بابل:
بفتح الباء الموحدة ثم ألف وباء موحدة ثانية مكسورة ولام في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي لأقدم أبنية العراق، وإليها ينسب إقليم بابل لقدمها، وكانت ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها. قال في تقويم البلدان: وبها آثار أبنية أحسبها أن تكون في قديم الأيام مصراً عظيماً؛ ويقال إنها من بناء الضحاك: أحد ملوك الفرس الذي ملك الأقاليم السبعة. قال: وفيها ألقي إبراهيم الخليل عليه السلام في النار؛ وقد أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أن بها هاروت وماروت الملكين اللذين يعلمان الناس السحر، ويقال إنهما بها في بئرٍ وإن البئر ظاهرة بها إلى الآن. قال صاحب حماة: وهي اليوم مدينة خراب، وقد صار في موضعها قرية صغيرة.
القاعدة الثانية: المدائن:
جمع مدينة وضبطها معروف. قال في تقويم البلدان: واسمها بالفارسية طيسفون- بفتح الطاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح السين المهملة وضم الفاء وبعدها واو ونون- ثم قال: وكل ذلك سماعاً وقد تبدل الفاء باء. وهي واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في تقويم البلدان: وهي على دجلة من شرقيها تحت بغداد على مرحلة منها. قال في العزيزي: والمدائن في جنوبي بغداد، وكان بالمدينة الكبرى منها إيوان كسرى في شرقي دجلة ارتفاعه ثمانون ذراعاً. ونقل في تقويم البلدان عن بعض الثقات في سعته من ركنه إلى ركنه خمسة وتسعون ذراعاً. وكانت هي قاعدة ملوك الفرس، فلما ولد النبي صلى الله عليه وسلم، انشق هذا الإيوان ثم خرب هو وسائر المدائن في الإسلام.
القاعدة الثالثة: بغداد:
قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وفتح الدال المهملة وفي آخرها ذال معجمة. وموقعها في آخر الإقليم الثالث. قال في القانون: حيث الطول سبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: سميت بغداد بهذا الاسم لأن كسرى أهدي إليه خصيي من المشرق فأقطعه بغداذ، وكان له صنم يعبده في المشرق يقال له البغ فقال له ذلك الخصي بغ داذ يعني أعطاني الصنم، وكان عبد الله بن مبارك يكره أن يقال له بغداذ بالذال المعجمة في آخرها، فإن بغ شيطان وداذ عطية فمعناه عطية الشيطان وهو شرك. قال: وإنما يقال بغداد بالدالين المهملتين، وقد قال بعضهم: إن بغ بالفارسية البستان وداذ بإهمال الأولى وإعجام الثانية اسم رجل ومعناه بستان داذ؛ ويقال فيها أيضاً بعدان بإبدال الدال الأخيرة، نوناً؛ ومغدان بإبدال الباء الأولى ميماً. وكان المنصور يسميها مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام. وبغداذ على جانبي دجلة من الشرق والغرب، والجانب الغربي منها يسمى الكرخ، وبه كان سكنى أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس، والجانب الشرقي منها بناه المهدي بن المنصور المقدم ذكره وسكنه بعسكره فسمي عسكر المهدي، ثم بنى فيه الرشيد بن المهدي قصراً سماه الرصافة فأطلق على الجانب كله الرصافة. ويسمى جانب الطاق أيضاً نسبة إلى رأس الطاق، وهو موضع السوق الأعظم منها. وبهذا الجانب محلةٌ تسمى الحريم يعني حريم دار الخلافة. قال في المشترك: بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخره ميم. قال: وهي قريب من ثلث الجانب الشرقي، وعليه سور ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إليها أيضاً كهيئة الهلال أو كنصف دائرةٍ؛ وله أبواب أولها باب الغربة، وهو باب على دجلة، ثم يليه باب سوق التمر، وهو باب شاهق ولكنه أغلق في خلافة الناصر لدين الله، ثم استمر غلقه، ثم باب البدرية، ثم باب النوبى. وفيه العتبة التي كانت تقبلها الملوك والرسل، ثم باب العامة، ويقال أيضاً باب عمورية، ثم يمتد السور نحو ميل لا باب فيه إلا باب بستان تحت المنظرة التي تنحر تحتها الضحايا، ثم باب المراتب بينه وبين دجلة نحو رميتي سهم.
وبهذا الحريم محال وأسواق ودور كثيرة للرعية وهو كأكبر مدينة تكون، قال: وبين دور الرعية التي داخل هذا السور وبين دجلة سورٌ آخر، وداخل السور الثاني دور خلافة لا يدخلها شيء من دور العامة. قال في مسالك الأبصار: وبين الجانبين جسران منصوبان على دجلة شرقاً بغرب على سفن وزوارق أوقفت في الماء ومدت بينها السلاسل الحديد المكعبة بالمكعبات الثقال، وفوقها الخشب الممدود، وعليها التراب يمر عليها أهل كل جانب إلى الآخر بالحمر والجمال والحمول، وعلى ضفتي دجلة قصور الخلافة والمدارس والأبنية العلية بالشبابيك والطاقات المطلة على دجلة وبناؤها بالآجر.
ومن بيوتها ما هو مفروش بالآجر أيضاً ملصق بالقير وهو الزفت، ولهم الصنائع العجيبة في التزويق بالآجر وبها وجوه الخير من الجوامع والمساجد والمدارس والخوانق والربط والبيمارستانات والصدقات الجارية ووجوه المعونة وناهيك أنها كانت دار الخلافة ومقر ملوك الأرض. ومنها قلائد الأعناق، وترابها لمى القبل وإثمد الأحداق.
قال في مسالك الأبصار: قال الحكيم نظام الدين بن الطياري: وأوقافها جارية في مجاريها، لم تعترضها أيدي العدوان في دولة هولاكو ولا فيما بعدها، بل كل وقف مستمر بيد متوليه، ومن له الولاية عليه، وإنما نقصت الأوقاف من سوء ولاة أمورها لا من سواها. وبها البساتين المونقه، والحدائق المحدقة، وبها ثمر النخل المفضلة على ما سواها من الرطب والثمر وبها أنواع الرياحين والخضروات والغلال، وسعرها متوسط في الغالب لا يكاد يرخص. قال المقر الشهابي بن فضل الله: سألت الصدر مجد الدين بن الدوري عن السبب في قلة الغلال ببلاد العراق مع امتداد سوادها، فقال: قلة الزرع مع ما استهلكه القتل زمن هولاكو وحيزه للعراق وما جاوره من البلاد.
قلت: وبغداد وإن كانت أم الممالك ودار الخلافة، فقد أغفل ملوك التتر الالتفاف إليها، وصرفوا عنايتهم إلى تبريز والسلطانية وصيروهما قاعدتين لهذه المملكة على ما سيأتي ذكره في الكلام على إقليم أذربيجان فيما بعد إن شاء الله تعالى.
القاعدة الرابعة: سر من رأى:
من السرور والرؤية، ثم خففها الناس فقالوا سامرا. قال في اللباب: بفتح السين المهملة وسكون الألف وفتح الميم وفي آخرها راء مهملة مشددة- وهي مدينة واقعة في الإقليم الرابع. قال في القانون حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة. قال في العزيزي: وهي على شاطىء الدجلة من الشرق. قال ابن سعيد: بناها المعتصم، وأضاف إليها الواثق المدينة الهارونية والمتوكل المدينة الجعفرية فعظم قدرها، قال في اللباب: ثم خربت عن قريب من عمارتها. قال في العزيزي: ولم يبق فيها عامر سوى مقدار يسير كالقرية.
وأما المدن التي بالعراق: فمنها هيت. قال في المشترك: بكسر الهاء وسكون المثناة تحت وتاء مثناة من فوق في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمان وستون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في العزيزي: وهي من حدود العراق. قال ابن سعيد: وإليها ينتهي حد الجزيرة. قال في تقويم البلدان: وهي على شمالي الفرات، ووهم في العزيزي فجعلها غربي الفرات. قال في المشترك: وهي من أعمال بغداذ. قال في اللباب: وهو فوق الأنبار، قال صاحب التهذيب: وسميت هيت لكونها في هوة من الأرض. قال في اللباب: وبها قبر عبد الله بن المبارك رحمه الله؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها حيرة. قال في اللباب: بكسر الحاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة وهاء في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في القانون حيث الطول ثمان وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسوندقيقة.
والحيرة مدينةجاهلية كثيرة الأنهار، وهي عن الكوفة على نحو فرسخ. وقال في العزيزي: مدينة قديمة على ثلاثة أميال من الكوفة؛ وكانت منازل آل النعمان بن المنذر، وبها تنصر المنذر بن امرىء القيس وبنى بها الكنائس العظيمة، والحيرة على موضع يقال له النجف، زعم الأوائل أن بحر فارس كان يتصل به؛ وبينهما اليوم مسافة بعيدة. قال في اللباب: والحيرة مدينة قديمة عند الكوفة، وبها الخورنق. قال في الترتيب: إن تبعاً لما سار من اليمن إلى خراسان وانتهى إلى موضعها ليلاً فتحيلا ونزل وأمر ببنائها فسميت الحيرة.
ومنها الأنبار. قال في المشترك: بفتح الهمزة وسكون النون ثم باء موحدة مفتوحة وراء مهملة بعد الألف- وهي من آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. طولها تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال في المشترك: والأنبار عن بغداد على عشر فراسخ منها. قال في المشترك: وهي من نواحي بغداذ على شاطئ الفرات.
قال ابن حوقل: وهي أول بلاد العراق، وبها كان مقام السفاح أول خلفاء بني العباس حتى مات، ويقال إن أول ما نقلت الكتابة العربية إلى مكة من الأنبار على ما تقدم في المقالة الأولى في الكلام على الخط.
ومنها الكوفة. قال في اللباب: بضم الكاف وسكون الواو ثم فاء وهاء- وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واقعةٌ في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهو على ذراع من الفرات خارج منه جهة الجنوب والمغرب.
قال في الترتيب: وسميت كوفة لاسدارتها، أخذاً من قول العرب رأيت كوفاناً إذا رأوا رملة مستديرة، وقيل لاجتماع الناس، أخذاً من قولهم تكوف الرمل إذا ركب بعضه بعضاً، وهي واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في رسم المعمور حيث الطول ثمان وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، قال في العزيزي: وهي قدر نصف بغداذ وعلى القرب منها مشهد أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه حيث دفن يقصده الناس من أقطار الأرض.
سومنها البصرة. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد وفتح الراء المهملتين- وهي مدينة إسلامية بنيت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً. واقعة في الإقليم الثالث. قال في القانون حيث الطول أربع وستون درجة، والعرض إحدى وثلاثون درجة، وسميت بالبصرة أخذاً من البصرة وهي الحجارة السود، وفي جنوبيها وغربيها البرية، وليس في بريتها ماء، يزرع على المطر. قال في المشترك: وبالبصرة محلةٌ يقال لها المربد- بكسر الميم وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة ثم دال مهملة- وهي محلة عظيمة من جهة البرية كانت العرب تجتمع فيها من الأقطار ويتناشدون الأشعار ويبيعون ويشترون.
ومنها واسط. قال السمعاني في الأنساب: بفتح الواو وسكون الألف وكسر السين المهملة وطاء في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: سميت واسط لتوسطها بين مدن العراق إذ منها إلى البصرة خمسون فرسخاً، ومنها إلى الكوفة خمسون فرسخاً، ومنها إلى الأهواز خمسون فرسخاً، ومنها إلى بغداذ خمسون فرسخاً. وهي نصفان على جانبي دجلة بينهما جسرٌ من السفن كما تقدم في بغداذ. قال في المشترك: وهي من بناء الحجاج اختطها بين الكوفة والبصرة في سنة أربع وسبعين من الهجرة وفرغ منها في سنة ست وسبعين.
ومنها حلوان. قال في المشترك: بضم الحاء المهملة وسكون اللام. قال في اللباب ثم ألف وواو ونون- وهي مدينة من أول الإقليم الرابع.
قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: وهي آخر مدن العراق، ومنها يصعد إلى الجبال، وقيل هي من الجبال، وليس بالعراق مدينة بالقرب من الجبل غيرها. قال ابن حوقل: وبها شجر النخل والتين الموصوف، وأكثر ثمارها التين، والثلج يسقط على جبلها دائماً، وهو منها على مرحلة، وبينها بين بغداذ خمس مراحل.
ومنها الحلة. قال في المشترك: بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام- وهي واقعة في الإقليم الثالث. قال في تقويم البلدان حيث الطول ثمان وستون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال ياقوت الحموي: وتعرف بحلة بني مزيد وأول من اختط بها المنازل وعمرها سيف الدولة صدقة بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وكان موضعها قبل ذلك يسمى بالجامعين.
ومنها النهروان. قال في اللباب: بفتح النون وسكون الهاء وضم الراء المهملة وفتح الواو وبعد الألف نون. وهي مدينة في آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة على ضفتي نهر. قال في الأطوال حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: النهروان اسم للمدينة والنهر الذي يشقها، وهي مدينة صغيرة على أربعة فراسخ من بغداذ. قال في اللباب: ولها عدة نواحٍ خرب أكثرها. وقال السمعاني في الأنساب: هي على أربعة فراسخ من دجلة، والنهروان هذه هي التي انحاز إليها الخوارج عند فراقهم لعلي بعد وقعة صفين على ما تقدم ذكره في الكلام على النحل والملل في المقالة الأولى.
ومنها الأبلة. قال في تقويم البلدان: بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام وهاء في الآخر- وهي مدينة في فوهتها نهر طوله أربعة فراسخ بينها وبين البصرة على جانبيه قصور وبساتين ومدن على خط واحد كأنها بستان واحد، وهو أحد متنزهات الدنيا.
ومنها القادسية- بفتح القاف ثم ألف ودال مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت ثم هاء. وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في الأطوال حيث الطول ثمانٌ وستون درجة وخمس وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وهي مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه، وهي على حافة البادية وحافة سواد العراق. البادية من جهة الغرب والسواد من جهة الشرق. قال في المشترك: وبينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً في طريق الحاج. قال في تقويم البلدان: وسميت القادسية لنزول أهل قادس بها، وقادس قرية بمرو الروذ، وعليها كانت الوقعة المعروفة بوقعة القادسية.
ومنها عبادان- بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة ثم دال مهملة بين ألفين وفي آخرها نون- وهي بلدة من آخر العراق من الإقليم الثالث. قال في الزيح: حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة. قال ابن سعيد: وعبادان على بحر فارس، وهو محيط بها لا يبقى منها في البر إلا القليل، وعندها مصب دجلة في جنوبي عبادان وشرقيها، وهي عن البصرة على مرحلة ونصف، وفي جنوبيها وشرقيها علاماتٌ للمراكب ببحر فارس لا تتجاوزها المراكب، وهي خشبٌ منصوبة حيث يكون البحر عند الجزر في بعض البحر. قال في العزيزي: في طريق العراق من الغرب القادسية وهيت، ومن الشرق حلوان، ومن الشمال سر من رأى، ومن الجنوب الأبلة.
الإقليم الثالث: خوزستان والأهواز:
بضم الخاء وسكون الواو وضم الزاي المعجمة وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون. قال في المشترك: ويقال لها أيضاً الخوز بضم الخاء المعجمة ثم واو وزاي معجمة. قال: وخوزستان إقليم واسع بين البصرة وفارس يشتمل على مدن كثيرة، قال في تقويم البلدان: والذي يحيط به من الغرب رستاق واسط ودور الراسبي، ومن جهة الجنوب من عبادان على البحر إلى مهروبان، إلى الدورق، إلى حدود فارس؛ ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الجنوب حدود فارس؛ ومن الجهة الشرقية التي إلى جهة الشمال حدود أصفهان وبلاد الجبل، ومن جهة الشمال حدود الصيمر والكرجة، وجبال اللور، وبلاد الجبل إلى أصفهان، قال: وخوزستان في مستوٍ من الأرض ليس بها جبال، وهي كثيرة المياه الجارية، وتجتمع مياهه وتعرض ببحر فارس عند حصن مهديٍ.
وقاعدتها على ما ذكره صاحب حماة في تاريخه تستر، قال في اللباب: بضم المثناة من فوق وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية وفي آخرها راء مهملة، والعامة تسميها شستر بإبدال التاء الأولى شيناً- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في القانون حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وجعلها في تقويم البلدان من الأهواز، ولها نهر معروف بها، وبنى سأبور أحد ملوك الفرس بناء عظيماً حتى ارتفع الماء إلى المدينة على مرتفع من الأرض، ويقال إنه ليس على وجه الأرض مدينة أقدم منها. قال في اللباب: وبها قبر البراء بن مالك الصحابي رضي الله عنه.
وقد ذكر في تقويم البلدان: بخوزستان عدة مدن: منها السوس. قال في المشترك: بضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية. قال أبو الريحان: وهي بالفارسية معجمة. وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث. قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة، قال في المشترك: وهي بلدة قديمة، قال: وبها قبر دانيال النبي عليه السلام. قال في تقويم البلدان: ولها بساتين وفيها ترنجٌ كالأصابع.
ومنها الطيب. قال في المشترك: بكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحتها وفي آخرها باء موحدة، وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في المشترك: وهي بلدة بين واسط وبين الأهواز. ثم قال: وفيها عجائب ولم يذكر ما هي؛ وإلى الطيب هذه ينسب الطيبي صاحب الحواشي على كشاف الزمخشري.
ومنها جبى. قال في المشترك: بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وياء آخر الحروف في الآخر- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم العرفية. قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة والعرض ثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي كثيرة النخل. قال: وإليها ينسب أبو علي الجبائي المعتزلي.
ومنها مهروبان. قال في تقويم البلدان: بفتحالميم وسكون الهاء وضم الراء المهملة وسكون الواو ثم باء موحدة وألف ونون. وعدها ابن حوقل وابن سعيد من فارس؛ وهي مدينة من فارس صغيرة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة. وهي فرضة أرجان وما والاها. قال في العزيزي: وهي على البحر.
ومنها أرجان. قال في اللباب: بفتح الألف وسكون الراء المهملة وفتح الجيم وفي آخرها نون بعد الألف. وقال ابن الجواليقي في المعرب من العجمية للعربية: إنها بتشديد الراء. وقال ابن حوقل: هي من آخر فارس من جهة خوزستان. وقال في العزيزي: وهي أول مدن فارس- وهي مدينة كبيرة كثيرة الخير، وبها النخل والزيتون بكثرة، بريةٌ بحرية، سهلية جبلية، على مرحلة من البحر. قال في العزيزي: وهي مدينة جليلة لها كورة وأعمال نفيسة؛ وإليها ينسب القاضي الأرجاني الأديب الشاعر.
وأما الأهواز. فقال في اللباب: هي بفتح الألف وسكون الهاء وفي آخرها زاي معجمة. وهي كورة من كور خوزستان المقدم ذكرها كما ذكره في تقويم البلدان وإن كان قد ذكر في أول الكلام على إقليم فارس أن خوزستان هي الأهواز إلا أنها غلب ذكرها فصارت كالإقليم المنفرد بذاته.
ولها عدة مدن تعرف بها: منها سوق الأهواز- وهي مدينتها، فقد قال في المشترك: وسوق الأهواز هي مدينة الأهواز، وذكر مثله في العزيزي. قال في المشترك: وقد خرب أكثرها. قال في العزيزي: ومنها إلى أصفهان ثمانون فرسخاً.
ومنها قرقوب. قال في اللباب: بضم القافين وبينهما راء مهملة ثم واو وفي الآخر باء- وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث، قال في القانون حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. وهي مدينة مشهورة. قال في اللباب قريبة من الطيب قال في العزيزي وبينهما سبعة فراسخ ومنها إلى مدينة السوس عشرة فراسخ.
ومنها جندي سأبور. قال في اللباب: بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها مثناة من تحتها وفتح السين المهملة وألف وباء موحدة وواو وراء مهملة. وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس دقائق، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة خصبةٌ كثيرة الخير. قال ابن حوقل: وبها نخيل وزروع كثيرة ومياه. قال في العزيزي: منها إلى تستر ثمانية فراسخ، ومنها إلى السوس ستة فراسخ.
ومنها عسكر مكرمٍ. قال في اللباب: بفتح العين وسكون السين المهملتين وفتح الكاف وفي آخرها راء مهملة. قال في تقويم البلدان عن الثقات أن مكرم بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء المهملة ثم ميم- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وثمان دقائق، والعرض إحدى وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال في العزيزي: وهي مدينة محدثة، وكانت قرية ينزلها مكرم بن الفزر أحد بني جعونة بعسكر كان قد أنفذه به الحجاج لمحاربة خرداذ بن بارس، فأقام بها مدة وابتنى بها البنايات فسميت عسكر مكرمٍ. قال: وليس بالأهواز مدينة محدثة سواها، وبها عقارب صغار مشهورة بالقتل.
ومنها رامهرمز. قال في اللباب: بفتح الراء المهملة والميم وضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم الثانية وفي آخرها زاي معجمة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في اللباب: وهي كورة من كور الأهواز. قال ويقال إن سليمان الفارسي رضي الله عنه منها. قال المهلبي: وبينها وبين سوق الأهواز تسعة عشرة فرسخاً.
ومنها الدورق. قال في المشترك: بفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة وفي آخرها قاف- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول خمس وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة. قال في العزيزي: ومنها إلى أرجان ثمانية عشر فرسخاً.
ومنها حصن مهدي. وضبطه معروف، وموقعه في الإقليم الثالث. قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وهي حصن تجتمع فيه مياه خوزستان ثم تصير نهراً وتصب في بحر فارس، وبينه وبين البصرة خمسة عشر فرسخاً.
ومنها جرخان. قال في اللباب: بضم الجيم وسكون الراء المهملة وخاء معجمة ثم ألف ونون. قال: وهي بلدة بقرب السوس.
ومنها جبال اللور. قال في اللباب: بضم اللام وسكون الواو وفي آخرها راء مهملة. قال: وبها جبال يقال لها لورستان من بلاد خوزستان. قال في تقويم البلدان: وهي بلاد خصبةٌ والغاب عليها الجبال، وهي متصلة بخوزستان ولكن أفردت عنها. قال في الأطوال: وهي بين تستر وأصبهان، وامتدادها طولاً نحو ستة أيام، وفيها خلق عظيم من الأكراد. قال: وهي حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال في مسالك الأبصار: وهم طائفة كثيرة العدد ومنهم فرق مفرقة في البلاد؛ وفيهم ملك وإمارة، ولهم خفة في الحركات يقف الرجل منهم إلى جانب البناء المرتفع ويلصق بطنه بإحدى زواياه القائمة ثم يصعد فيه إلى أن يرتقي صهوته العليا.
ومما يحكى أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب حضره رجل منهم وصعد في جدار كذلك، فأنعم عليه الإنعام الجزيل وأمره أن يحضر كل من قدر عليه من أصحابه فأحضر منهم جماعة، وهو يحسن إليهم إلى أن لم يبق منهم أحدٌ فقتلهم على آخرهم خشيةً مما لهم من قوة التسور؛ ومن هؤلاء طوائف بمصر والشام يعرفون بالنورة، يجالس أحدهم الرجل فيسرق ماله وهو لا يدري، ويمشون على الحبال المرتفعة ولنسائهم في ركوب الخيل الفروسية العظيمة.
الإقليم الرابع: فارس:
بفاء مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة مكسورة وسين مهملة في الآخر. قال في تقويم البلدان: ويحيط ببلاد فارس من جهة الغرب حدود خوزستان، وتمام الحد الغربي إلى جهة الشمال حدود أصفهان والجبال؛ ويحيط بها من جهة الجنوب بحر فارس، ومن جهة الشرق حدود كرمان، ومن جهة الشمال المفازة التي بين فارس وخراسان، وتمام الحد الشمالي حدود أصفهان وبلاد الجبال؛ قال في العزيزي: وعلى نهاية فارس الشرقية ناحية يزد، وعلى نهايتها من الجنوب سيراف والبحر؛ وحدها من الشمال الري. قال ابن حوقل: وقاعدتها فيما ذكره صاحب حماة في تاريخه: شيراز. قال في اللباب: بكسر الشين المعجمة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفي آخرها زاي معجمة بعد الألف- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض ثمان وعشرون درجة وست وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينةٌ إسلامية محدثة، بناها محمد بن القاسم بن أبي عقيل الثقفي، وهو ابن عم الحجاج بن يوسف. قال: وسميت بشيراز تشبيهاً بجوف الأسد لأن عامة الميرة بتلك النواحي تجمل إلى شيراز ولا يحمل منها شيء إلى غيرها. قال المهلبي: وهي مدينة واسعة سرية كثيرة المياه؛ وشربهم من عيون تتخرق البلد وتجري في دورهم، وليس تكاد تخلو دار بها من بستان حسن ومياه تجري، وأسواقها عامرة جليلة؛ وإليها ينسب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه رحمه الله؛ وبها قبر سيبويه النحوي، وبينها وبين أصبهان اثنان وسبعون فرسخاً، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها جور. قال في اللباب: بضم الجيم ثم واو وراء مهملة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان وهي من قواعد فارس. قال ابن حوقل: وعيها سور من طين وخندقٌ؛ ولها أربعة أبواب وفيها المياه جارية- وهي مدينة نزهةٌ كثيرة البساتين جداً ويرتفع منها ماء ورد يعم البلاد، وهي في ذلك كدمشق. قال في العزيزي: ومنها إلى شيراز أربعة وعشرون فرسخاً، وقال في وضع آخر عشرون فرسخاً.
ومنها كازرون. قال في اللباب: بفتح الكاف وسكون الألف وفتح الزاي المعجمة وضم الراء المهملة وواو ساكنة وفي آخرها نون- وهي مدينة من كورة سأبور واقعة في الإقليم الثالث. قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أعظم مدينة في كورة سأبور. وقال المهلبي: وهي مدينة لطيفة صالحة العمارة. قال ابن حوقل: وهي صحيحة التربة والهواء وماؤها من الآبار. قال في اللباب: وخرج منها جماعة من العلماء.
ومنها فيروزاباد. قال في المشترك: بفتح الفاء وكسرها وسكون المثناة من تحت وضم الراء المهملة ثم واو ساكنة وزاي معجمة ثم ألف وباء موحدة وألف ثانية وذال- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وعشر دقائق. قال في المشترك: وكانت تسمى في القديم جور ثم غير اسمها، وهي بلدة مشهورة على القرب من شيراز، وهي أصل بلد الشيخ أبي إسحاق الشيرازي المتقدم ذكره في شيراز.
ومنها سيراف. قال في اللباب: بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح الراء المهملة وفاء في الآخر- وهي بلدة على البحر واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض ست وعشرون درجة. قال في تقويم البلدان: وهي أعظم فرضةٍ لفارس، وليس بها زرع ولا ضرع بل هي مدينة حط وإقلاع للمراكب؛ وهي مدينة آهلة، ولهم عناية بالبنيان حتى إن الرجل من التجار ينفق في عمارة داره ثلاثين ألف دينار؛ وليس حولها بساتين ولا أشجار؛ وبناؤهم بالساج والخشب، يحمل إليهم من بلاد الزنج؛ وهي شديدة الحر.
ومنها البيضاء- بفتح الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الضاد المعجمة وألف في الآخر. وهي مدينة من عمل إصطخر واقعةٌ في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون: حيث الطول ثمان وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي من أكبر مدن كورة إصطخر. قال: وسميت البيضاء لأن لها قلعة بيضاء ترى من بعد، واسمها بالفارسية نشانك، ويقال إن الحسين الحلاج منها، وإليها ينسب القاضي ناصر الدين البيضاوي صاحب المنهاج في أصول الفقه، والطوالع في علم الكلام وغير ذلك. قال المهبلي: وبينها وبين شيراز ثمانية فراسخ.
ومنها إصطخر. قال في اللباب: بكسر الألف وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وفي آخرها راء مهملة قبلها خاء معجمة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة واثنتان وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي من أقدم مدن فارس، وبها كان سرير الملك في القديم؛ وبها آثار عظيمة من الأبنية حتى يقال إنها من عمل الجن كما يقال عن تدمر وبعلبك من بلاد الشام. قال في العزيزي: وبينها وبين شيراز اثنا عشر فرسخاً. قال وينسب إليها أبو سعيد الإصطخري لأحد أصحابنا الشافعية.
ومنها بسا. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف- وهي مدينة من كورة دارا بجرد واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض تسع وعشرون درجة. قال ابن حوقل: وهي تقارب شيراز في الكبر وأكثر خشب أبنيتها السرو، ويجتمع فيها الثلج؟ والرطب والجوز والأترج، وإليها ينسب البساسيري الذي خطب لخلفاء مصر في بغداد.
ومنها يزد. قال السمعاني في الأنساب: بفتح المثناة التحتية وسكون الزاي المعجمة وفي آخرها دال مهملة- وهي مدينة من كورة إصطخر. قال في الأطوال حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. خرج منها جماعة من العلماء وإليها ينسب القماش اليزدي.
ومنها: دارا بجرد. قال في اللباب: بفتح الدال المهملة وسكون الألفين بينهما راء ثم باء موحدة وجيم مكسورة وراء مهملة ساكنة وفي آخرها دال مهملة- وهي مدينة من فارس واقعة في الإقليم الثالث. قال في القانون حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: ومعنى دارا بجرد عمل دارا، وهي مدينة لها سور وخندقٌ تتولد المياه فيه، وفيه حشيش يلتف على السابح فيه حتى لا يكاد يسلم من الغرق، وفي وسط المدينة جبلٌ كالقبة ليس له اتصال بشيء من الجبال، وبنواحيها جبال من الملح الأبيض والأسود والأصفر والأحمر والأخضر، ينحت منه ويحمل منها إلى البلاد. قال في المشترك: وعملها من أجل كور فارس. قال في العزيزي: وبأعمالها معدن موميا ومعدن زئبق.
الإقليم الخامس: كرمان:
كما قاله في مسالك الأبصار. قال في المشترك: بفتح الكاف، ومنهم من يكسرها. قال. وهو صقع كبير بين فارس وسجستان ومكران من بلاد الهند. ويحيط به من جهة الغرب حدود فارس؛ ومن جهة الجنوب بحر فارس؛ ومن جهة الشرق أرض مكران من وراء البلوص إلى البحر؛ ومن الشمال المفازة التي هي فيما بين فارس وكرمان وبين خراسان. قال في تقويم البلدان: وأرض كرمان داخلة في البحر، وللبحر ساعدان قد اعتنقا أرض كرمان، فالبحر على ساحل كرمان قطعة قوس من دائرة. وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه السيرجان. قال في اللباب: بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها والراء المهملة وفتح الجيم وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في رسم المعمور حيث الطول ثلاث وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي أكبر مدينة بكرمان، وأبنيتها أقباءٌ لقلة الخشب بها وداخلها قني الماء. قال في اللباب: وهي مما يلي فارس.
وتشتما كرمان على عدة مدن: منها جيرفت. قال في اللباب: بكسر الجيم وسكون المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الفاء وفي آخرها تاء مثناة من فوق- وموقعها في الإقليم الثالث. قال في الأطوال: حيث الطول ثلاث وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة مجمع للتجار الواصلين من خراسان وسجستان، وهي خصبة للغاية. قال المهبلي: وهي من أعظم المدن بكرمان كثيرة النخل والأترج وبينها وبين السيرجان مرحلتان.
ومنها زرند. قال في المشترك: بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة- وموقعها في الإقليم الثالث. قال في القانون حيث الطول ثلاث وثمانون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. قال في المشترك: وهي مدينة مشهورة. قال في المهبلي: وبينها وبين مدينة السيرجان تسعة وعشرون فرسخاً.
ومنها بم. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وتشديد الميم- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في العزيزي: وهي من كبار مدن كرمان، وهي من مصر الأمصار. قال ابن حوقل: وهي أكبر من جيرفت، وبها ثلاثة جوامع.
ومنها هرمز. قال في المشترك: بضم الهاء وسكون الراء المهملة وضم الميم وفي آخرها زاي معجمة- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول خمس وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي فرضة كرمان. قال في المشترك: تدخل إليها المراكب من بحر الهند في خليج. قال صاحب حماة: وهي مدينة كثيرة النخل شديدة الحر. ثم قال: أخبرني من رآها في زماننا يعني في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون أن هرمز العتيقة خربت من غارات التتر وأن أهلها انتقلوا عنها إلى جزيرة في البحر تسمى زرون- بفتح الزاي المعجمة وضم الراء المهملة ثم واو وفي الآخر نون- وهي جزيرة قريبة من البر غربي هرمز العتيقة، ولم يبق بهرمز العتيقة إلا قليل من أطراف الناس؛ ومنها إلى أول حدود فارس نحو سبع مراحل.
قلت: وفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة كتب إلى صاحبها عن الأبواب السلطانية في الديار المصرية في الدولة الناصرية أبي السعادات فرج بن السلطان الشهيد الظاهر برقوق، وسيأتي الكلام على صورة المكاتبة إليه في المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
الإقليم السادس: سجستان والرخج:
أما سجستان فقال في المشترك: بكسر السين المهملة وكسر الجيم وسكون السين الثانية ثم مثناة من فوقها وألف ونون. قال: وسجستان إقليم عظيم بين خراسان وبين مكران والسند وبين كرمان. قال ابن حوقل: ويحيط بسجستان من جهة الغرب خراسان، ومن جهة الجنوب المفازة التي بين سجستان وفارس وكرمان، ومن جهة الشرق مفازة بين سجستان وبين مكران، وهي المفازة الواصلة بين مكران والهند، وتمام الحد الشرقي في شيء من عمل الملتان من الهند، ومن جهة الشمال أرض الهند، وفيما يلي خراسان والغور والهند تقويس.
وقال في العزيزي: سجستان شرقي كرمان إلى الشمال. قال ابن حوقل: وأراضي سجستان بها الرمال والنخيل، وهي أرض سهلة لا يرى فيها جبل، وتشتد بها الريح وتدوم، وبها أرحية تطحن بالريح، والرياح تنقل رمالهم من مكان إلى مكان، وإذا أرادوا نقل الرمل عن مكانٍ، عملوا هناك حائطاً من خشب أو غيره وجعلوا في أسفله طوقاً وأبواباً فتدخل فيها الريح من تلك الأبواب وتطير الرمل وترميه بعيداً؛ وسجستان خصبةٌ كثيرة الطعام والتمر والأعناب وأهلها ظاهرو اليسار. وقال في اللباب: والنسبة إلى سجستان سجزي بكسر السين المهملة وسكون الجيم ثم زاي معجمة على غير قياس. قال: وينسب إليها سجستاني أيضاً يعني على الأصل.
وقاعدتها زرنج. قال في اللباب: بفتح الزاي المعجمة والراء المهملة وسكون النون وجيم في الآخر- وهي مدينة كبيرة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وقد يطلق على زرنج نفسها سجستان. قال في المشترك: بل أنسي اسم زرنج وأطلق اسم الإقليم وهو سجستان على المدينة. وجعل في اللباب زرنج ناحية بسجستان. قال ابن حوقل: ولها سورٌ وخندقٌ ينبع فيه الماء، وأبنيتها عقود لأن الخشب فيها يسوس ولا يثبت. وفيها مياه تجري في البيوت والأزقة وأرضها سبخة.
قال في الباب: وخرج منها جماعة من العلماء منهم محمد بن كرام الزرنجي صاحب المذهب المشهور.
ولها مدن: منها حصن الطاق- وضبطه معروف. قال ابن سعيد: وهو حصن واقع في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثمان وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة، على جبل عند التواء النهر في غاية المنعة لا يرام بحصار. قال وبه يعتصم ملوك هذه البلاد ويجعلون فيه خزائنهم. أما الطاق المضاف إليها فمدينة صغيرة لها رستاق، وبها أعناب كثيرة يتسع بها أهل سجستان.
ومنها سروان. قال في تقويم البلدان: قال بعض الثقات- بفتح السين وسكون الراء المهملتين وفتح الواو ثم ألف ونون- وهي مدينة من آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة بها فواكه كثيرة ونخيل وأعناب.
ومنها بست. قال في اللباب: بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وفي آخرها تاء مثناة من فوقها- وهي مدينة على شط نهر الهندمند. قال في القانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة وثمان وثلاثون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة خصبةٌ كثيرة النخل والأعناب. وقال في اللباب: وهي مدينة حسنة كثيرة المياه والخضرة. وقال في العزيزي: مدينة جليلة بها عدة منابر ورباطات كثيرة عظيمة. وذكر في اللباب: أنها من بلاد كابل بين هراة وغزنة. قال ابن حوقل: وبينها وبين غزنة نحو أربع عشرة مرحلة.
وأما الرخج فقال في اللباب: بضم الراء المهملة وفتح الخاء المعجمة المشددة وفي آخرها جيم. قال ابن حوقل: وهو إقليم عظيم متصل بسجستان فيه عدة مدن وهي على غاية الخصب والسعة. قال: ومن مدنها بنجوان؟ ولم يزد على ذلك.
الجانب الثاني من مملكة إيران الشمالي:
ويشتمل على عدة أقاليم من الأقاليم العرفية:
الإقليم الأول: إرمينية:
قال ياقوت: بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وكسر النون ثم ياء ثانية مخففة وقد تشدد- وضبطها في اللباب: بفتح الهمزة. قال في تقويم البلدان: وقد جمع أرباب المسالك والممالك إرمينية وأران وأذربيجان لعسر إفراد إحداها عن الأخرى. قال: ويحيط بها على سبيل الإجمال من الغرب حدود بلاد الروم وشيء من حدود الجزيرة؛ ومن جهة الجنوب بعض حدود الجزيرة وحدود العراق؛ ومن جهة الشرق بلاد الجيل والديلم، إلى بحر الخزر؛ ومن جهة الشمال بلاد القيتق؛ ثم أفرد أذربيجان بحدود تخصها فقال: يحدها من جهة الشرق بلاد الجيل وتمام الحد الشرقي بلاد الديلم؛ ويحدها من جهة الجنوب العراق عند ظهر حلوان وشيء من حدود الجزيرة. وذكر في مسالك الأبصار نحوه إلا أنه ذكر أن حدها الغربي إلى بلاد الأرمن. قال ابن حوقل: والغالب على إرمينية الجبال.
وقاعدتها الدبيل فيما ذكره ابن حوقل والمهبلي. قال في المشترك: وهي بفتح الدال المهملة وكسر الباء الموحدة ثم مثناة من تحتها ساكنة وفي آخرها لام- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول اثنتان وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة والنصارى فيها كثيرة، وبها جامع للمسلمين إلى جانب كنيسة النصارى. قال في العزيزي: وهي من أجل البلاد وأنفسها وهي مستقر سلطانها وبها عدة مدن: منها أرزنجان. قال في تقويم البلدان: بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم ثم ألف ونون، ويقال بالكاف أيضاً عوضاً عن الجيم- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وستون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي بين سيواس وبين أرزن الروم؛ وبينها وبين كل واحدة منهما أربعون فرسخاً، وما بينها وبين أرزن كله مروج ومرعىً، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها أرزن. قال في المشترك: بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وفتح الزاي المعجمة ثم نون في الآخر. قال في تقويم البلدان: وهي من أطراف إرمينية- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي غير أرزن الروم، وهي عن خلاط على ثلاثة أيام. قال: ووهم في اللباب فجعلها من ديار بكر من الجزيرة، والصحيح ما تقدم. وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الثانية فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ومنها بدليس. قال في تقويم البلدان: بكسر الباء الموحدة ثم دال مهملة ساكنة ولام وياء مثناة من تحت ساكنة وسين مهملة. قال: وعن بعضهم أنها بفتح الباء الموحدة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وعن بعض أهل تلك البلاد أنها بين ميافارقين وبين خلاط. قال: وهي مدينة مسورة، وقد خرب نصف سورها؛ والمياه تخترق المدينة من عيون في ظاهرها؛ ولها بساتين في وادٍ وهي بين جبال تحف بها. قال وهي دون حماة في القدر. وقال ابن حوقل: بلد صغير عامر خصبٌ كثير الخير؛ وهي شديدة البرد كثيرة الثلوج، وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
ومنها أخلاط. قال في تقويم البلدان: بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ثم ألف وطاء مهملة، ويقال فيها خلاط بفتح الخاء من غير همز- وموقعها في الإقليم الخامس. قال في الأطوال حيث الطول خمس وستون درجة وخمسون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان عن بعض أهلها إنها في مستو من الأرض، ولها بساتين كثيرة، وبها عدة أنهار على شبه أنهار دمشق، وليس يدخل المدينة منها إلا الشيء اليسير، ولها سور خراب، وهي قدر دمشق، والجبال عنها على أكثر من مسيرة يوم، وبردها شديد. قال ابن سعيد: وهي أجل مدينة بإرمينية، وذكرها جليل الشهرة. وقال ابن حوقل: وهي بلدة صغيرة عامرة كثيرة الخير. قال في العزيزي: وبينها وبين بدليس سبعة فراسخ.
ومنها خرت برت- بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وتاء مثناة فوق ثم باء موحدة مكسورة بعدها راء مهملة ساكنة وتاء مثناة فوق في الآخر، وتعرف بحصن زياد. قال في تقويم البلدان: وهي بلدة بإرمينية على القرب من خلاط، وحاكمها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
الإقليم الثاني: أذربيجان:
قال ابن الجواليقي في المعرب من العجمة إلى العربية بقصر الألف وإسكان الذال المعجمة. قال ابن حوقل: الغالب عليها الجبال أيضاً. قال في مسالك الأبصار: وهي أجل الأقاليم الثلاثة، وهي كانت قرار ملوك بني جنكزخان.
وبها ثلاث قواعد.
القاعدة الأولى: أردبيل:
قال في اللباب: بفتح الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهملتين وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت ولام في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال في اللباب: لعله بناها أردميني بن لمطي بن يونان فنسبت إليه. قال في العزيزي: وهي في الجهة الشمالية من أذربيجان. قال: وهي مدينة كثيرة الخصب، وعلى فرسخين منها جبل عظيم الارتفاع لا يفارقه الثلج. قال المهبلي: وأهلها غليظو الطبع شرسو الأخلاق. قال: وبينها وبين تبريز خمسة وعشرون فرسخاً. قال في مسالك الأبصار: وأعمالها تكون ثلاثين فرسخاً. قال. وبها كانت دار الإمارة في صدر الإسلام.
القاعدة الثانية: تبريز:
قال في اللباب: بكسر المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة وكسر الراء المهملة ثم مثناة من تحت وفي آخرها زاي معجمة. والجاري على ألسنة العامة توريز بالواو بدل الموحدة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال ابن سعيد: وهي قاعدة أذربيجان في عصرنا. قال في اللباب: وهي أشهر بلدة بأذربيجان؛ وبها كان كرسي بيت هولاكو من التتر، ثم انتقل بعد ذلك إلى السلطانية الآتي ذكرها. ومبانيها بالقاشاني والجص والكلس، وبها مدارس حسنة ولها غوطة رائقة. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينة أعرقت في السعادة أنسابها، وثبتت في النعمة قواعدها. قال: وهي مدينة غير كبيرة المقدار، والماء منساق إليها؛ وبها أنواع الفواكه لكن ليست بغاية الكثرة، وأهلها من أكبر الناس حشمة، وأكثرهم تظاهراً بنعمة؛ ولهم الأموال المديدة، والنعم الوافرة، والنفوس الأبية؛ ولهم التجمل في زيهم: من المأكول والمشروب، والملبوس والمركوب؛ وما منهم إلا من يأنف أن يذكر الدرهم في معاملته، بل لا معاملة بينهم إلا بالدينار. وسيأتي ذكر مقدار دينارهم في الكلام على معاملة هذه المملكة فيما بعد إن شاء الله تعالى- وهي اليوم أمر إيران جميعاً لتوجه المقاصد من كل جهة إليها، وبها محط رحال التجار والسفار؛ وبها دور أكثر الأمراء الكبراء المصاحبين لسلطانها لقربها من أرجان محل مشتاهم. قال: ويشتد البرد بتوريز كثيراً، وتتوالى الثلوج بها حتى إن سروات أهلها يجدون في آدرهم، ليس فيها فرجة ولا يدخلها ضوء إلا ما يرونه من طاقات حيطانها من وراء الزجاج المركب عليها.
القاعدة الثالثة: السلطانية:
نسبة إلى السلطان، واسمها قنغرلان. قال في تقويم البلدان: بضم القاف وسكون النون وضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ولام ألف ونون- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أن حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة.
قال: وهي عن توريز في سمت المشرق بميلة يسيرة إلى الجنوب على مسيرة ثمانية أيام منها- وهي مدينة محدثة، بناها خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، على القرب من جبال كيلان، على مسيرة يوم منها، وجعلها كرسي مملكته، وهي في مستو من الأرض، ومياهها قني، قليلة البساتين والفواكه، وإنما تجلب إليها الفواكه من البلاد المصاقبة لها. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينة قد رفع بناؤها، واتسع فناؤها، وأتقنت قسمتها في الخطط والأسواق، وجلب إليها بانيها الناس من أقطار مملكته، واستجلبهم إليها بما بسط لسكانها من العدل والإحسان. قال: وهي الآن عامرة آهلة كأنما مر عليها مئون سنين لكثرة من استوطنها وتأهل بها وأولد من الولد فيها، وقد مضت عليها مدة بنوها مبالغ الرجال، وفيهم من جاز إلى الاكتهال.
وبها عدة مدن غير هذه القواعد: منها سلماس. قال في اللباب: بفتح السين المهملة واللام والميم وفي آخرها سين مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال المهبلي: وهي على آخر حدود أذربيجان من الغرب، وهي مصرٌ من الأمصار جليل والمتاجر بها وإليها متصلة.
ومنها خوي. قال في اللباب: بضم الخاء وفتح الواو وتشديد المثناة من تحت- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول تسع وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في اللباب: وهي آخر مدن أذربيجان، وبينها وبين سلماس أحد وعشرون ميلاً.
ومنها أرمية. قال في اللباب: بضم الألف وسكون الراء المهملة والميم في آخرها هاء بعد ياء مثناة من تحتها. قال ابن الجواليقي في المعرب: ويجوز في قياس العربية تخفيف الياء منها وتشديدها- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال المهلبي: وهي آخر حدود أذربيجان، وهي مدينة جليلة. قال: ويقال إن زرادشت نبي المجوس منها. قال في تقويم البلدان: وعن بعض أهلها أنها مدينة وسطى عامرة، وهي في أول الجبال وآخر الوطاة في الغرب عن سلماس على ستة عشر فرسخاً منها، وبينها وبين الموصل قاعدة الجزيرة أربعون فرسخاً، والموصل في سمت الغرب عنها؛ ولأرمية قلعة على جبل تسمى قلعة تلا في غاية الحصانة، كان هولاكو قد جعل أمواله فيها لحصانتها والنسبة إلى أرمية أرموي.
ومنها مراغة. قال في المشترك: بفتح الميم والراء المهملة وألف وغين معجمة وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشر دقائق، والعرض سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال المهبلي: وهي مدينة محدثة كانت قرية، فنزل بها مروان بن محمد وكان هناك سرجينٌ فمرغ الناس فيه دوابهم فبناها مدينة فسميت مراغة. قال ابن حوقل: وهي من قواعد أذربيجان، وهي حصينة، نزهة كثيرة البساتين والرساتيق.
ومنها ميانج. قال في المشترك: بفتح الميم والمثناة من تحتها وسكون الألف وكسر النون وفي آخرها جيم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال في المشترك: وهي مدينة كبيرة على مسيرة يومين من مراغة. وسماها في اللباب: ميانه بفتح الميم والمثناة من تحتها وألف ونون وهاء. وقال: خرج منها جماعةٌ من العلماء.
ومنها مرند. قال في اللباب: بفتح الميم والراء المهملة وسكون النون وفي آخرها دال مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة. قال في اللباب: وهي قرية من تبريز في جهة الشرق عنها بميلة يسيرة إلى الشمال. وقال المهلبي: هي عن تدمر على أربعة عشر فرسخاً. قال في تقويم البلدان: وذكر من رآها أنها بلدة صغيرة ذات أنهار وأشجار.
الإقليم الثالث: أران:
قال في المشترك: بفتح الهمزة وتشديد الراء المهملة ثم ألف ونون.
ولها قاعدتان:
القاعدة الأولى: بردعة:
قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهملتين ثم عين مهملة وهاء في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض ثلاث وأربعون درجة. قال في تقويم البلدان: وهي قاعدة مملكة أران. وقال في اللباب: هي من أقاصي أذربيجان. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة كثيرة الخصب نزهة. قال: وعلى أقل من فرسخ منها موضع يسمى الاندراب يكون مسيرة يوم في يوم بساتين مشتبكة كلها فواكه. قال المؤيد صاحب حماة: هذا ما كانت عليه في زمان ابن حوقل، أما في زماننا فأخبرني من رآها أنها خربت ولم يبق منها معمور إلا دون المعرة في القدر، وهي في مستوٍ من الأرض، ذات بساتين ومياه، وهي على القرب من نهر الكر.
القاعدة الثانية: تفليس:
قال في اللباب: بفتح المثناة فوق وسكون الفاء وكسر اللام وسكون المثناة التحتية وفي آخرها سين مهملة- وموقعها في آخر الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون: وهي قصبة كرجستان. وقال في اللباب: وهي آخر بلدة من أذربيجان. قال ابن حوقل: وهي مدينة مسورة عليها سوران ولها ثلاثة أبواب، وبها حمامات مثل حمامات طبرية ماؤها ينبع سخناً بغير نار، وهي كثيرة الخصب. قال ابن سعيد: وكان المسلمون قد فتحوها وسكنوها مدة طويلة، وخرج منها جماعة من العلماء، ثم استرجعها الكرج وهم نصارى، وهي بأيدي الكرج إلى الآن، وملك الكرج صاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وبها عدة مدن: منها نشوى. قال السمعاني في الأنساب: بفتح النون والشين المعجمة وفي آخرها واو ثم ياء آخر الحروف. وسماها ابن سعيد نقجوان- بفتح النون وسكون القاف وفتح الجيم والواو وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة. قال ابن سعيد: وهي من المدن المذكورة في شرقي أران. قال في السمعاني: وهي بلدة متصلة بإرمينية وأذربيجان. قال ابن سعيد: وهي في شمالي نهر الكر. قال في الأنساب: وبينها وبين تبريز ستة فراسخ. وقال ابن سعيد: وقد خربها التتر وقتلوا جميع أهلها.
ومنها موقان. قال في اللباب: بضم الميم وسكون الواو وفتح القاف وسكون الألف وفي آخرها نون، والعامة تبدل القاف غيناً معجمة فيقولون موغان. قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال السمعاني: وهي بدربند فيما أظن، وقال المهبلي: هي من عمل أردبيل. وقال المهبلي: موقان في نهاية بلاد كيلان في جهة الغرب. قال ابن حوقل: وبينها وبين باب الأبواب يومان. قال في تقويم البلدان: لم يبق لمدينة موقان في هذا الزمان شهرة بل المشهور أراضي موقان وهي أراضٍ كثيرة المياه والأقصاب والمراعي في ساحل بحر طبرستان على القرب من البحر، وهي في سمت المال والغرب عن تبريز، على نحو عشر مراحل منها، وبها يشتي أردو التتر في غالب السنين.
ومنها شمكور. قال في اللباب: بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وضم الكاف سكون الواو وفي آخرها راء مهملة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة وخمسون دقيقة. قال في اللباب: وهو حصن من أعمال أران. قال في تقويم البلدان: وشمكور بقرب بردعة، وبها منارة في غاية الارتفاع والشهوق.
ومنها البيلقان. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت وفتح اللام والقاف ثم ألف ونون. قال في القانون حيث الطول أربع وستون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي عند شروان.
قال: ولعلها بناها بيلقان بن أرميني بن لمطي بن يونان فنسبت إليه. قال في اللباب: وهي مدينة من دربند خزران. قال في المشترك: وهي من مشاهير البلدان. قال ابن حوقل: وهي كثيرة الخير.
ومنها كنجة. قال في تقويم البلدان: بفتح الكاف وسكون النون وفتح الجيم ثم هاء ساكنة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال: والقياس أنها حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وعشر دقائق. قال في المشترك: وهي من مشاهير بلاد أران. قال المؤيد صاحب حماة: وأخبرني من أقام هناك أنها على مرحلتين من بردعة، وبردعة منها في جهة الغرب بميلة يسيرة إلى الشمال، وهي قصبة تلك الناحية، وهي في مستو من الأرض وفيها بساتين كثيرة، وبها التين الكثير، وقد شهر أن من أكل من ذلك التين حم.
ومنها شروان. قال في اللباب: بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح الواو ثم ألف ونون في الآخر- وهي واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: حيث الطول ثمان وستون درجة وست وخمسون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وثلاث وأربعون دقيقة. قال في اللباب: بناها أنوشروان فأسقطوا أنو للتخفيف وبقي شروان. قال ابن سعيد: وهي من أران. وكانت قاعدةً لبلادها، ثم صارت مملكتها مضافة إلى أذربيجان قال: وبشروان الدربند المشهور. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وهو المعروف في زماننا بدربند باب الحديد. قال ابن الأثير: وقد خرج منها جماعة من العلماء.
ومنها باب الأبواب. قال في تقويم البلدان: بإضافة الباب المفرد الذي يدخل منه إلى جمعه. قال في القانون: ويعرف باب الأبواب بدربند خز ران. قال في تقويم البلدان: ويعرف هذا المكان في زماننا بباب الحديد بإضافة الذي يغلق إلى الذي يتطرق. قال ابن حوقل: وهي على بحر طبرستان، وتكون في القدر أصغر من أردبيل قال: ولهم الزرع الكثير وثمار قليلة تحمل إليهم من النواحي. قال: وهي فرضة الخزر والسرير وسائر بلاد الكفر، وهي أيضاً فرضة جرجان والديلم وطبرستان ويجلب إليها الرقيق من سائر الأجناس. قال في تقويم البلدان: وهذه الصفات التي ذكرها ابن حوقل على ما كانت في زمانه؛ أما اليوم فعن بعض المسافرين أن باب الحديد بليدة هي بالقرى أشبه، على بحر الخزر وهي كالحد بين التتر الشماليين المعروفين ببيت بركة وبين التتر الجنوبيين المعروفين ببيت هولاكو، وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
الإقليم الرابع: بلاد الجبل:
بفتح الجيم والباء الموحدة ولام في الآخر، وصاحب مسالك الأبصار يسميها بلاد الجبال على الجمع، والعامة تسميها عراق العجم. قال في تقويم البلدان: ويحيط بها من جهة الغرب أذربيجان، ومن جهة الجنوب شيء من بلاد العراق وخوزستان، ومن جهة الشرق مفازة خراسان وفارس، ومن جهة الشمال بلاد الديلم وقزوين والري عند من يخرجهما عن بلاد الجبل ويضمهما إلى الديلم من حيث إن جبال الديلم تحف بهما.
وقاعدتها قيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه أصبهان. قال في اللباب: بكسر الألف وفتحها وسكون الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة والهاء وألف ثم نون في الآخر. قال في تقويم البلدان: وقد تبدل الباء فاء.
قال السمعاني: وسمعت من بعضهم أنها تسمى بالعجمية سباهان. قال وسبا العسكر، وهان الجمع. وذلك أن عساكر الأكاسرة كانوا إذا وقع لهم بيكار يجتمعون بها فعربت فقيل أصبهان- وموقعها في الإقليم الثالث. قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة وخمسون دقيقة. والعرض ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي في نهاية الجبال من جهة الجنوب. قال: وهي مدينتان وإحداهما تعرف باليهودية، وهي من أخصب البلاد وأوسعها خطة، وبها معدن الكحل الذي لا يسامى مصاقباً لفارس، وإلى أصبهان ينسب الليث بن سعد الإمام الكبير.
قلت: وقد تقدم في الكلام على أعمال الديار المصرية من أول هذه المقالة عند ذكر الأعمال القليوبية أنه ينسب إلى بلدتنا قلقشندة أيضاً وأنه كان له دار بها، فيحتمل أنه كان أولاً بأصبهان، ثم لما رحل عنها إلى مصر نزل قلقشندة فنسب إليها على عادة من ينتقل من بلد إلى آخر.
ولها عدة مدن: منها إربل. قال في المشترك: بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة ولام في الآخر. قال في تقويم البلدان: وهي قاعدة بلاد شهرزور، وموقعها في الإقليم الرابع. قال ابن سعيد حيث الطول سبعون درجةً وعشرون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وهي مدينة محدثة. قال في المشترك: بين الزابين، فيما بين المشرق والجنوب عن الموصل، على مسيرة يومين خفيفين. قال في تقويم البلدان: وعن بعض أهلها أنها مدينة كبيرة قد خرب غالبها، ولها قلعة على تل عالٍ داخل السورمع جانب المدينة في مستوٍ من الأرض، والجبال منها على أكثر من مسيرة يوم، ولها قني تدخل منها اثنتان إلى المدينة للجامع ودار السلطان؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها شهرزور. قال في اللباب: بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وضم الراء المهملة والزاي وسكون الواو وفي الآخر راء مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في رسم المعمور حيث الطول سبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في اللباب: وهي بلدة بين الموصل وبين همذان بناها زور بن الضحاك فقيل شهر زور، يعني مدينة شهر، قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة. قال في العزيزي: وهي خصبة كثيرة المتاجر في عزلةٍ إلا أن في أهلها غلظةً وجفاء. قال: وبينها وبين المراغة ست مراحل.
ومنها الدينور. قال في اللباب: بفتح الدال المهملة وسكون المثناة من تحت وفتح النون والواو ثم راء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي غربي همذان بميلة إلى الشمال، وهي مدينة كثيرة المياه والمنازه كثيرة الثمار خصبة. قال في العزيزي: وبينها وبين الموصل أربعون فرسخاً، وبينها وبين مراغة كذلك.
ومنها ماسبذان- بفتح الميم وبعد الألف سين مهملة وباء موحدة وذال معجمة بفتح الجميع وبعد الألف نون. وهي مدينة من سيروان- بكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الراء المهملة وواو وألف ونون. كورة من كور عراق العجم. قال أحمد بن يعقوب الكاتب: وهي مدينة قديمة بين جبال وشعاب. قال: وهي في ذلك تشبه مكة شرفها الله تعالى وعظمها وفيها عيون ماء في وسطها. قال ابن خلكان: وكان المهدي العباسي يسكنها وبها مات ودفن.
ومنها قصر شيرين- بإضافة قصر إلى شيرين- بكسر الشين المعجمة ثم ياء آخر الحروف وراء مهملة ثم ياء ثانية بعدها ونون في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول إحدى وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في المشترك: وهو قصر شيرين حظية كسرى أبرويز. وقال في الإدريسي: شيرين امرأة كسرى. قال: وبهذا الموضع آثارٌ لملوك الفرس عجيبة، ومنه شهر زور عشرون فرسخاً، ومنه إلى حلوان من بلاد العراق خمسة فراسخ.
ومنها الصيمرة. قال في المشترك: بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الميم والراء المهملة وهاء في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع، قال في القانون: حيث الطول إحدى وسبعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة نزهة ذات زروع وأشجار، والمياه تجري في دورها ومحالها. قال أحمد بن يعقوب: وهي في مرج أفيح، فيه عيون وأنهار.
ومنها قرميسين. قال في اللباب: بكسر القاف وسكون الراء المهملة وكسر الميم وسكون المثناة من تحتها وكسر السين المهملة ومثناة تحتية ثانية ونون في الآخر. قال في تقويم البلدان: ووجدناها في كثير من الكتب بإبدال الياء الأولى ألفاً. قال في اللباب: وهي مدينة بجبال العراق- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في اللباب: ويقال لها كرمانشاه. قال في العزيزي: وهي من أجل مدن الجبل وأعظمها خطراً، وهي عامرة غاصة بالناس. قال: وينبت بها الزعفران.
ومنها سهرورد. قال في اللباب: بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الواو وسكون الراء الثانية وفي آخرها دال مهملة. قال في تقويم البلدان: كذا ضبطها ولم يذكر الراء الأولى- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة، قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة، والغالب عليها الأكراد.
ومنها زنجان. قال في اللباب: بفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الجيم وألف ونون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أقصى مدن الجبال في الشمال. قال في اللباب: وهي على حد أذربيجان من بلاد الجبل، ينسب إليها جماعةٌ من أهل العلم.
ومنها نهاوند. قال في اللباب: بضم النون وفتح الهاء وسكون الألف وفتح الواو وسكون النون وبعدها دال مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثلاث وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة على جبل ولها أنهار وبساتين، وهي كثيرة الفواكه وفواكهها تحمل إلى العراق لجودتها. قال في اللباب: ويقال إنها من بناء نوح عليه السلام، وإنه كان اسمها نوح أوند، فأبدلوا الحاء هاء.
ومنها همذان. قال في الأنساب: بفتح الهاء والميم والذال المعجمة وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة.
قال ابن حوقل: وهي وسط بلاد الجبال، ومنها إلى حلوان أول بلاد العراق سبعةٌ وستون فرسخاً. قال: وهي مدينة كبيرة، ولها أربعة أبواب، ولها مياه وبساتين وزروع كثيرة. قال في الأنساب: وهي على طريق الحاج والقوافل.
ومنها أبهر. قال في المشترك: بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الهاء ثم راء مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في المشترك: وهي مدينة بين قزوين وزنجان قال ابن خرداذبه: ومنها إلى زنجان خمسة عشر فرسخاً.
ومنها ساوة. قال في اللباب: بفتح السين المهملة وبعدها ألف ثم واو وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال المهلبي: وهي مدينة جليلة على جادة حجاج خراسان وبها الأسواق الحسنة، وبها المنازل الحسنة.
ومنها قزوين. قال في اللباب: بفتح القاف وسكون الزاي المعجمة وكسر الواو وسكون المثناة من تحت وفي آخرها نون- وموقعها في الإقليم الرابع، قال في القانون ورسم المعمور حيث الطول خمس وسبعون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة، قال ابن حوقل: وهي مدينة لها حصن وماؤها من السماء والآبار، ولها قناة صغيرة للشرب فقط، وهي مدينة حصينة وبها أشجار وكروم كلها عذيٌ لا تسقى وليس بها ماء جار سوى ما يشرب ويجري إلى المسجد. قال ابن حوقل: وماء قناتها وبيء.
ومنها آبة. قال في المشترك: بفتح الهمزة وسكون الألف ثم باء موحدة وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع. قال: والعامة تسميها آوة. قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشر دقائق، والعرض أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال المهلبي: وهي مدينة في الشرق بانحراف إلى الشمال عن همذان وبينهما سبعة وعشرون فرسخاً. قال في المشترك: وبينها وبين ساوة خمسة أميال.
ومنها قم. قال في اللباب: بضم القاف وتشديد الميم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في رسم المعمور حيث الطول أربع وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في اللباب: وكان بناؤها في سنة ثلاث وثمانين للهجرة، بناها عبد الله بن سعد والأحوص وإسحاق ونعيم وعبد الرحمن بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعري من أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عند انهزامهم من الحجاج وكان مكانها سبع قرى فأهلكوا أهلها وبنوها مدينة، كل قرية محلة من محلات المدينة، قال ابن حوقل: وهي مدينة غير مسورة حصينة البناء، وماؤها من الآبار، وبها البساتين على السواني وبها شجر الفستق والبندق، وأهلها شيعة. قال المهلبي: وهي في مرج تقدير سعته عشرة فراسخ في مثلها ثم تفضي إلى جبالها، وبها من الفستق ما ليس بغيرها.
ومنها الطالقان. قال في المشترك: بفتح الطاء المهملة واللام والقاف ثم ألف ونون. وقال في اللباب: بتسكين اللام- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في المشترك: وهي مدينة وكورة بين توريز وأبهر. قال ابن حوقل: وهي أقرب إلى الديلم من قزوين. وقد أوردها كتاب الأطوال المنسوب للفرس مع بلاد الديلم. قال أحمد الكاتب: وهي بين جبلين عظيمين، وهي تمس الطالقان بلاد خراسان.
ومنها قاشان. قال في اللباب: بفتح القاف وسكون الألف وبالشين المعجمة وبعد الألف نون. قال: ويقال: بالسين المهملة أيضاً- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة، قال المهلبي: وهي مدينة لطيفة، قال ابن حوقل: هي أصغر من قم وغالب بنائها بالطين، وهي خصبةٌ وقد خرج منها جماعة من العلماء. قال في اللباب: وأهلها شيعةٌ.
ومنها الري. قال في اللباب: بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف. قال في القانون حيث الطول ثمانٌ وسبعون درجة، والعرض خمس وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة كبيرة قدر عمارتها فرسخ ونصف في مثله، وفيها نهران يجريان، وبها قني تجري غير ذلك.
وعدها في اللباب من الديلم، ويخرج منها قطنٌ كثير للعراق. وبها قبر محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة، والكسائي أحد القراء السبعة، والنسبة إليها رازي على غير قياس، وإليها ينسب الإمام فخر الدين الرازي الإمام المشهور.
ومنها الكرج. قال في المشترك: بفتح الكاف والراء المهملة وفي آخرها جيم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة.
قال ابن حوقل: وهي مدينة متفرقة البناء ليس لها اجتماع المدن، وتعرف بكرج أبي دلف، قال في المشترك: لأن أول من مصرها أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي وقصده الشعراء. قال ابن حوقل: ولها زروع ومواشٍ، ولكن ليس لها بساتين ولا منتزهات، والفواكه تجلب إليها.
ومنها خوار. قال في المشترك: بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وسكون الألف وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ثمانٌ وسبعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في المشترك: وهي مدينة من نواحي الري تخترقها القوافل. قال في القانون وقلما يذكر إلا منسوباٌ إلى الري فيقال خوار الري.
ومنها جبال الأكراد. قال في مسالك الأبصار: والمراد بهذه الجبال الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم، دون أماكن من توغل من الأكراد في بلاد العجم قال: وابتداؤها جبال همذان وشهرزور، وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور، وهي مملكة سيس وما هو مضاف إليها مما بأيدي بيت لاون، ثم ذكر منها عشرين مكاناً في كل منها طائفةٌ من الأكراد.
الأول دياوشت من جبال همذان وشهرزور، وهو مقام طائفة من الأكراد وله أمير يخصهم.
الثاني درانتك. وه مقام طائفة ثانية من الكورانية أيضاً ولهم أمير يخصهم، قال في مسالك الأبصار: والطائفتان جميعاً لا تزيد عدتهم على خمسة آلاف رجل.
الثالث دانترك ونهاوند إلى قرب شهرزور. وهي مقام طائفة منهم تعرف بالكلالية يعرفون بجماعة سيف عدتهم ألف رجل مقاتلة، ولهم أمير يخصهم، وهو يحكم على من جاورهم من الأكراد.
الرابع مكان بجوار ديار الكلالية المقدم ذكرهم بجبال همذان. وهو مقام طائفة من الأكراد يقال لهم زنكلية. وعدتهم نحو ألفين ذوو شجاعة وحيلة، ولهم أمير يخصهم يحكم على بلاد كيكور وما جاورها من البقاع والكور.
الخامس نواحي شهرزور. قال في مسالك الأبصار: كان يسكنها طوائف من الأكراد طائفتان إحداهما يقال لها اللوسة والأخرى يقال لها الباسرية، رجال حرب، وأقيال طعنٍ وضرب؛ نزحوا عنها بعد واقعة بغداد ووفدوا إلى مصر والشام، وسكن في أماكنهم قومٌ يقال لهم الحوسة ليسوا من صميم الأكراد.
السادس مكان بين شهرروز وبين أشنه من أذربيجان، به طائفة من الأكراد يقال لهم السولية، يبلغ عددهم نحو ألفي رجل؛ وهم ذوو شجاعة وحميةٍ، وهم طائفتان لكل طائفة منهم أمير يخصهم.
السابع- بلاد بسقاد- وهي مقام طائفة من الأكراد يقال لهم القرياوية وبيدهم من بلاد أزبك أماكن أخر، قال: وعددهم يزيد على أربعة آلاف، ولهم أمير يخصم.
الثامن- بلاد الكركار- وهي مقام طائفة منهم يقال لها الحسنانية، وهم على ثلاثة بطون: أحدها طائفة عيسى بن شهاب الدين، ولهم خفر قلعة بري والحامي، وثانيها طائفة تعرف بالتلية، وثالثها طائفة تعرف بالجاكية، وجميعهم نحو الألف رجل، ولكل طائفة أمير يخصهم.
التاسع- دربندقراير- وهو مقام الطائفة القرياوية ولهم خفارة الدربند المذكور، وصاحبه يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصري. وقد ذكر في التثقيف أن صاحبه كان سيف الدين بن سير الحسناني.
العاشر- بلاد الكرحين ودقوق الناقة- وبه طائفة منهم عدتهم تزيد على سبعمائة ولهم أمير يخصهم.
الحادي عشر بين الجبلين، من أعمال إربل. قال في مسالك الأبصار: وبها قوم كانوا يدارون التتر وملوك الديار المصرية، ففي الشتاء يعاملون التتر بالمجاملة، وفي الصيف يعينون سرايا الشام في المجاملة، قال: وعددهم كعدد الكلاكية، ولهم أمير يخصهم. وذكر أنه كان لهم في الدولة المنصورية قلاوون أميرٌ يسمى الخضر بن سليمان، كاتب شجاع، وأنه وفد إلى الديار المصرية فاخترمته المنية قبل عوده، وكان معه أربعة أولاد فعادوا بعد موته في الدولة الزينية كتبغا.
الثاني عشر مازنجان، وبيروه، وسمحة، والبلاد البرانية- وهي مقام طائفة منهم يقال لها المازنجانية لا تزيد عدتهم على خمسمائة، وهم طائفة ينتسبون إلى المحمدية، والمازنجانية هم طائفة المبارزكك الموجود اسمه ورسم المكاتبة إليه في دساتير المكاتبات القديمة، وقد أضيف إليهم الحمدية، وهم طائفة من الأكراد لا تنقص عدتهم عن ألف مقاتل، لأن أميرهم مبارز الدين كك، كان من أمراء الخلافة في الدولة العباسية، ومن ديوان الخلافة لقب بمبارز الدين، وكك اسمه، قال: وكان يدعي الصلاح وتنذر له النذور، فإذا حملت إليه قبلها وأضاف إليها مثلها من عنده وتصدق بهما معاً، وذكر نحوه في التعريف ثم كان له في الدولة الهولاكوية المكانية العلية، واستنأبوه في إربل وأعمالها، وأقطعوه عقرشوش بكمالها وأضافوا إليه هراة وتل حفتون وقدموه على خمسمائة فارس، وتولى الإمرة وقوانين نحو عشرين سنة، وبقي حتى جاوز التسعين وهمته همة الشبان ثم مات وخلفه ولده عز الدين فكان من أبيه نعم الخلف، وجرى على نهج أبيه في ترتيب المملكة وعلت رتبته عند ملوك التتر وملوك الديار المصرية ثم خلفه أخوه نجم الدين خضر فجرى على سمت أبيه وأخيه. ثم قال: وكانت ترد على الأبواب السلطانية بمصر ونواب الشام كتب تتهلل بماء الفصاحة كالسحب وتسرح من أجنابها الأبكار العرب. ثم خلفه ولده فجرى على سننه وبقيت الإمارة في بنيه، والأمير القائم منهم هو المعبر عنه في الدساتير بصاحب عقرشوش، وله مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
الثالث عشر بلاد شعلاباد إلى خفتيان وما بين ذلك من الدشت والدربند الكبير- وهي مقام طائفة منهم تعرف بالشهرية معروفون باللصوصية، وهم قوم لا يبلغ عددهم ألفاً وجبالهم عاصية، ودربدنهم بين جبلين شاهقين يسقيهما الزاب الكبير. قال في مسالك الأبصار: وعليه ثلاث قناطر: اثنتان منها بالحجر والطين، والوسطى مضفورة من الخشب كالحصير، علوها عن وجه الماء مائة ذراع في الهواء، وطولها بين الجبلين خمسون ذراعاً في عرض ذراعين، تمر عليها الدواب بأحمالها، والخيل برجالها. وهي ترتفع وتنخفض، يخاطر المجتاز عليها بنفسه؛ وهم يأخذون الخفارة عندها؛ وهم أهل غدر وخديعة لا يستطيع المسافر مدافعتهم، ولهم أمير يخصهم؛ ولصاحبها مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
الرابع عشر ماذكرد والرستاق، ومرت، وجبل جنجرين المشرف على أشنه من ذات اليمين- وهو مقام طائفة منهم يقال لهم الزرزارية، ويقال إنهم ممن تكرد من العجم، ولهم عدد جم، يكاد يبلغ خمسة آلاف ما بين أمراء وأغنياء وفقراء وأكارين وغيرهم، وجبلهم في غاية العلو والشهوق في الهواء، شديد البرد، بأعلاه ثلاثة أحجار طول كل حجر منها عشرة أشبار في عرض دون الثلاثة، متخذة من الحجر الأخضر الماتع، وعلى منها كتابة قد اضمحلت لطول السنين، يقال إنها نصبت لمعنى الإنذار والإخبار عمن أهلكه الثلج والبرد هناك في الصيف، وهم يأخذون الخفارة تحته. قال في مسالك الأبصار: وكان لهم أمير جامع لكلمتهم اسمه نجم الدين باشاك، ثم تولاهم من بعده ابنه جيدة، ثم ابنه عبد الله. قال: وكان لهم أمراء آخرون منهم الحسام شير الصغير، وابنه باشاك وغيرهم، قال: وينضم إلى الزرزارية شرذمة قليلة تسمى باسم قريتها بالكان نحو ثلاثمائة رجل منفردين بمكان مشرف على عقبة الحان يأخذون عليها الخفارة، ولصاحب ماذكرد مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، ثم قال في التثقيف: وهو حنش بن إسماعيل.
الخامس عشر جولمرك- وهو مقام طائفة تسمى الجولمركية، وهم قوم نسبوا إلى مكانهم ذلك فعرفوا به، ويقال: لأنهم طائفة من العرب من بني أمية اعتصموا بهذه الجبال عند غلبة بني العباس عليهم، وأقاموا بها بين الأكراد فانخرطوا في سلكهم، قال في مسالك الأبصار: وهم الآن في عدد كثير، يزيدون على ثلاثة آلاف، كان ملكهم في أوائل دولة التتر أسد بن مكلان، ثم خلفه ابنه عماد الدين، ثم ابنه أسد الدين، وببلاده معدن الزرنيخين: الأحمر والأصفر، ومنها ينقل إلى سائر الأقطار، قال: وكان قد ظهر عنده معدن لازورد فأخفاه لئلا يسمع به ملوك التتر فيطلبونه، ومعقله من أمنع المعاقل، على جبل مقطوع بذاته، والزاب الكبير محدق به لا محط للجيش عليه، ولا وصول للسهام إليه، وسطحه متسع للزراعة، وفي كل ضلع من أضلاعه كهفٌ مرتفع يأوي إليه من أراد الامتناع، وأعلاه مغمور بالثلج والصعود إليه في بعض الطريق يستدعي العبور على أوتاد مضروبة. ومن لا يستطيع التسلق جر بالحبال، وكذلك بغال الطواحين، وملكهم معتمدٌ عند الأكراد، وهو يأخذ الخفارة من جميع الطرقات، من تبريز إلى خوي ونقجوان وهذا هو المعبر عنه في التعريف وغيره من الدساتير في المكاتبات بصاحب جولمرك، وهو يكاتب من الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
السادس عشر بلاد مركوان على القرب من الجولمركية كثيرة الثلوج والأمطار، بلاد زرع وضرع- وهي متاخمة لأرمية من بلاد أذربيجان وبها طائفة من الأكراد تبلغ عدتهم ثلاثة آلاف، وهم أحلاف للجولمركية.
السابع بلاد كواردات- وهي بلاد مجاورة لبلاد الجولمركية من جهة بلاد الروم، وهي بلاد خصبة، وبها طائفة من الأكراد ينتسبون إليها لا إلى قبيلة، وعدتهم نحو ثلاثة آلاف، ولهم أمير يخصهم.
الثامن بلاد الدينار- وهي بلاد تلي بلاد الجولمركية، وبها طائفة من الأكراد يقال لهم الدينارية نسبة إلى بلدتهم، وعددهم نحو خمسمائة ولهم سوق وبلد، وكان لهم أميران، أحدهما الأمير إبراهيم ابن الأمير محمد، كان له وجه عند الخلفاء، والثاني الشهاب بن بدر الدين، توفي أبوه وخلفه كبيراً فخلفه في إمرته، وكان بينهم وبين المازنجانية حروب.
التاسع عشر بلاد العمادية وقلعة هارون. وهي بالقرب من بلاد الجولمركية، وبها طائفة منهم يقال لهم الهكارية يزيد عددهم على أربعة آلاف مقاتل، ولهم إمارة تخصهم، قال في مسالك الأبصار: وهم يأخذون الخفارة في أماكن كثيرة من بخارا إلى بلد الجزيرة، وصاحب هارون يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
العشرون القمرانية وكهف داود- وبها طائفة منهم يقال لهم التنبكية. قال في مسالك الأبصار: وقليلٌ ما هم لكنهم حماةٌ رماةٌ وطعامهم مبذول على خصاصة.
واعلم أنه بعد أن ذكر في مسالك الأبصار ما تقدم ذكره عقب ذلك بذكر جماعة من الأكراد تفرقوا في الأقطار بعد اجتماع منهم التحتية، وهم قوم كانوا يضاهون الحميدية كان لهم أعيان وأمراء وأكابر، فهلك أمراؤهم ونسيت كبراؤهم، ولم يبق منهم إلا شرذمة قليلة تفرقت بين القبائل والشعوب، ثم قال: وشعبهم كثيرة: منهم السندية وهم أكثر شعبهم عدداً، وأوفرهم مدداً، كانوا يبلغون ثلاثين ألف مقاتل ومنهم المحمدية؛ وكان لهم أمير لا يزيد جمعه على ستمائة رجل. ومنهم الراسنية، كانوا أوفى عدد وعدد وجمع ومدد ثم تشتت شملهم، وتفرق جمعهم؛ وعادت عدتهم في بلد الموصل لا تزيد على ألف رجل وكان لهم أمير يقال له علاء الدين كورك بن إبراهيم في بلد العقر، ولا ينقص عن خمسمائة؛ ومنهم الدنيكية وهم متفرقون في البلاد لا يزيد عددهم على ألف رجل.
قلت: وقد ذكر في التثقيف عدة أماكن من بلاد وقلاع يكاتب أصحابها من الأكراد سوى من تقدم ذكره، وهم خمسة وعشرون موضعاً: إحداها برجو. الثانية البلهيئة. الثالثة كرم ليس. الرابعة اندشت. الخامسة حردقيل. السادسة سكراك. السابعة قبليس. الثامنة جرموك. التاسعة شنكوس. العاشرة بهرمان. الحادية عشرة حصن أران وهو حصن الملك. الثانية عشرة..... الثالثة عشرة سونج، الرابعة عشرة اكريسا. الخامسة عشرة يزاركد. السادسة عشر الزاب. السابعة عشرة الزيتية. الثامنة عشرة الدربندات العرابلية. التاسعة عشرة قلعة الجبلين. العشرون سيدكان. الحادية والعشرون صاحب رمادان. الثانية والعشرون الشعبانية. الثالثة والعشرون نمرية. الرابعة والعشرون المحمدية. الخامسة والعشرون كزليك.
الإقليم الخامس: بلاد الديلم:
بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام وميم في الآخر.
وهم جيلٌ من الأعاجم سكنوا هذه البلاد فعرفت بهم، وبعض الناس يزعم أنهم من العرب من بني ضبة ومنهم كان بنو بويه القائمون على خلفاء بني العباس ببغداد. قال ابن حوقل: وهي جبال متسعة إلى الغاية، وبها غياض ومياه مشتبكة في الوجه الذي يقابل طبرستان والبحر، وبين ذيل الجبل وبين البحر مسيرة يوم، وربما نقص عن ذلك، وربما زاد حتى بلغ يومين.
وقاعدتها روذبار. قال في المشترك: بضم الراء المهملة وسكون الواو وفتح الذال المعجمة والباء الموحدة ثم ألف وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وسبع وثلاثون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وبه مقام ملوكهم.
ومن بلادها كلار. قال في تقويم البلدان: بكاف ولام وألف وفي الآخر راء- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في القانون حيث الطول سبع وسبعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال المهلبي: وهي مدينة الديلم، وهي في جهة الشرق والجنوب عن لاهجان من بلاد كيلان.
الإقليم السادس: الجيل:
قال في المشترك: بكسر الجيم وسكون المثناة من تحت ثم لام- وهي اسم لصقعٍ واسع مجاورٍ لبلاد الديلم، ليس فيه قرى كثيرة، وليس فيه مدينة عظيمة. وقال في اللباب: الجيل اسم لبلاد متفرقة وراء طبرستان. قال: ويقال أيضاً كيلان وكيل، فلما عربت قيل جيلان وجيل، ومنها كوشيار الحكيم الجيلي فيما ذكره ياقوت، وإليها ينسب الشيخ عبد القادر الجيلاني، وبالجملة فهما صقعان متلاصقان يعسر تمييز أحدهما عن الآخر. قال في مسالك الأبصار عن الشريف محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد الجيلي: إن بلاد كيلان في وطاة من الأرض، وإنه يحيط بها أربعة حدود؛ من الشرق إقليم مازندران، ومن الغرب موقان، ومن الجنوب عراق العجم، يفصل بينهما جبل يعرف باشناده، ومن الشمال بحر القلزم يعني بحر طبرستان. قال: وطول مجموع كيلان مما بأيدي ملوكها، وهو شرق بغرب نحو عشرة أيام، وعرضها وهو جنوب بشمال نحو ثلاثة أيام تزيد وتنقص، وهي شديدة الأمطار، كثيرة الأنهار، كثيرة الفواكه خلا النخل والموز وقصب السكر والمشمش، ويجلب إليها المحمضات من مازندران. قال: ومدن كيلان غير مسورة، ولملوكهم قصور علية، وجميع مبانيها بالآجر مفروشة به أيضاً كما في بغداد، مسقفة بالخشب، وبعضها معقودة أقباءً وعيها قش مضفور، وفي غالب ديارها آبار قريبة المستقى نحو ذراعين أو ثلاثة أو أقل، والأنهار حاكمة على مدنها، وبها حماماتٌ يجري إليها الماء من الأنهار، وبها المساجد والمدارس وتسمى بها الخوانق، وغالب أقواتهم الأرز يعمل منه الخبز والرقاق مع تيسر القمح والشعير عندهم، والبقر والغنم عندهم بكثرة؛ وأسعارهم متوسطة إلى الرخص، وبها الحرير الكثير؛ ولها حصون في نواحي مازندران وجزائر في بحر طبرستان، وبها الرمان والبلوط والفواكه، وفيها تحصنهم عند مغالبة العدو لهم، ولباسهم الأقبية الإسلامية الضيقة الأكمام وتخافيف صغار على رؤوسهم، ويشدون المناطق والبنود، وخيلهم براذين، وفي سروجهم المحلى بالفضة وغيره، ولملوكهم زي جميل على ضيق بلادهم وقلة متحصلها، ويركب الملك بالرقبة السلطانية والحجاب والسلاح دارية والجمدارية، والجنائب المجرورة، ويتخذ بظواهر قصور ملوكهم ميادين خضرٌ في أوساطها قصورٌ صغار من الخشب فيها جلوسهم للخدم والمظالم. ولا يزال بين ملوكهم الخلف فإذا قصدهم عدو خارجي عنهم تألفوا واجتمعوا عليه، حتى إن هولاكو جهز إليهم جيشاً عدته سبعون ألفاً صحبة نائبة قطلوشاه فلم ينل منهم قصداً، وكان آخر الأمر أن قتل قطلوشاه وهلك جل من معه. وقد ذكر في مسالك الأبصار أن بها ثمان قواعد بكل قاعدة منها ملكٌ وبعضهم أكبر من بعض، وموقع جميعها في الإقليم الرابع.
فأما الكبار فأربع قواعد:
القاعدة الأولى: بومن:
قال في تقويم البلدان: بضم الباء الموحدة التي بين الفاء والباء الموحدة وسكون الواو وكسر الميم ثم نون في الآخر. قال: وهي قريبة من البحر، وبها فيما يحاذيها معدن حديد، وبها من معمولات القماش، قال في مسالك الأبصار: وصاحبها شافعي المذهب دون غيره من ملوك الجيل، مذهب نشأ عليه ملوكها. قال: وعسكره يزيد على ألف فارس، وبلاده قليلة ولكن غالب دخله التجار، والحرير بها كثير، قال: وصاحبها يدعي النسبة إلى بيت الشرف، وله اعتناء بأهل العلم والفضل؛ ولباس الملك والجند بها نوع من لباس التتر؛ ولباس غلمانها قريب من زي التجار، ولهم عذبات كالصوفية قدامهم، وعامة أهلها كغيرهم ممن جاورهم.
القاعدة الثانية: تولم:
قال في تقويم البلدان: بضم المثناة الفوقية وواو ولام وميم، وصاحب مسالك الأبصار يثبت فيها ياء مثناة بين اللام والميم- وهي قريبة من البحر أيضاً. قال في مسالك الأبصار: وأمر صاحبها قريب من صاحب ومن ولكن لا حرير في بلاده؛ وهو حنبلي المذهب، وعدة عسكره نحو ألف فارس وهم أفرس إخوانهم، ولهم على ملوك الجيل استظهار لما ظهر من نكايتهم في عسكر التتر. قال: وزيها كزي ومن.
القاعدة الثالثة: كسكر:
قال في تقويم البلدان: بفتح الكافين وسكون السين المهملة بينهما وراء مهملة في الآخر. وقد ذكر أنها دولاب- بضم الدال المهملة وسكون الواو ولام ألف وباء موحدة في الآخر. قال: وعن السمعاني فتح الدال وأنه أفصح وأنها من حدود الديلم. وذكر في اللباب أنها قرية من أعمال الري. قال في مسالك الأبصار: وصاحبها له صولةٌ في ملوك تولم، وجيشه أكثر عدداً من غيره من ملوك الجيل، وبلاده أوسع، وأرضه أخصب وأكثر حباً وفاكهةً وأغناماً وأبقاراً مما حولها، وهي كثيرة السمك والطير. ومنها الشيخ العارف السيد عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه.
وأما الصغار فأربع أيضاً: القاعدة الأولى لاهجان قال في تقويم البلدان: بفتح اللام وبعدها ألف وهاء وجيم مفتوحتان ثم ألف بعدها نون، ثم قال: وهي من الديلم أو كيلان. قال في الأطوال حيث الطول أربع وسبعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة.
قال في تقويم البلدان: ومنها يجلب الحرير المشهور إلى البلاد. قال في مسالك الأبصار: وهي في حال الحرير كما في بومن بخلاف غيرهما من سائر بلاد الجيل.
القاعدة الثانية سخام.
القاعدة الثالثة مرست.
القاعدة الرابعة تنفس.
ولها عدة مدن غير القواعد: منها كوتم. قال في تقويم البلدان: بضم الكاف وواو ساكنة ثم تاء مثناة فوقية مضمومة ثم ميم في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول ست وسبعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: قال من رآها إنها مدينة لها بساتين، وهي ناقلة عن البحر مسيرة يوم. قال المهلبي: وهي مدينة كبيرة للجيل.
ومنها سالوس. قال في تقويم البلدان: المشهور بالسين المهملة وألف ولام مضمومة وواو ساكنة ثم سين ثانية وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ست وسبعون درجة. والعرض سبع وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي على البحر ولها منعةٌ وهي صعبة المسلك.
قال المهلبي: وهي آخر حد طبرستان من جهة الغرب.
الإقليم السابع: طبرستان:
بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة فوق وألف ثم نون. قال في تقويم البلدان: وهي في جهة الشرق عن بلاد الديلم وكيلان قال: وإنما سميت طبرستان لأن طبر بالفارسية الفأس، وهي من كثرة اشتباك أشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد أن تقطع الأشجار بالطبر من بين أيديهم، واستان بالفارسية الناحية، فسميت طبرستان أي ناحية الطبر. قال في العزيزي: وهي في غاية المنعة والحصانة بالجبال المنيعة المحيطة بها من كل جانب، وفي وسط الجبال الأراضي السهلة، وفيها من كثرة المياه والغياض ما لا يساويها فيه بلد آخر، وهي عن قزوين في الشرق بانحراف إلى الشمال. قال ابن حوقل: وهي بلاد كثيرة المياه والأشجار والغالب عليها الغياض، وأبنيتها بالخشب والقصب. وهي بلاد كثيرة الأمطار. ويرتفع منها حرير يعم الآفاق. وغالب خبزهم الأرز. قال: وليس بجميع طبرستان نهرٌ تجري فيه السفن، إلا أن البحر قريب منهم على أقل من يوم. قال ابن خلكان: والنسبة إليها طبري.
وقاعدتها آمل. قال في المشترك: بهمزة مفتوحة بعدها ألف ثم ميم مضمومة ولام في الآخر- وهي مدينة من طبرستان واقعةٌ في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في القانون: وهي قصبة طبرستان، وهي أكبر من قزوين، مشتبكةٌ بالعمارة لا يعلم على قدرها أعمر منها في تلك النواحي. قال أحمد الكاتب: وهي على بحر الديلم. وقال في المشترك: هي أكبر مدينة بطبرستان. ومنها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمام الكبير المشهور. ولها عدة مدن: منها رويان. قال في المشترك: بضم الراء المهملة وسكون الواو ثم ياء مثناة من تحت وألف ونون- وهي مدينة من طبرستانواقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في رسم المعمور حيث الطول ست وسبعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال في المشترك: وهي مدينة كبيرة في جبال طبرستان، ولها كورة عظيمة وعمل قال في اللباب: وخرج منا جماعة كثيرة من العلماء.
ومنها مامطير. قال في اللباب: بفتح الميمين وكسر الطاء المهملة وسكون المثناة من تحت وراء مهملة في الآخر. قال في اللباب: وهي بلدة من عمل آمل، خرج منها جماعةٌ من العلماء.
ومنها دهستان. قال في اللباب: بكسر الدال المهملة والهاء وسكون السين المهملة وفتح المثناة من فوق ثم ألف ونون. قال ابن حوقل: وهي مدينة من طبرستان، وقيل هي من خراسان- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول إحدى وثمانون درجة وعشر دقائق، والعرض ثمان وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة مشهورة عند مازندران، بناها عبد الله بن طاهر، ومعناها بالفارسية موضع القرى، وهي آخر حد طبرستان بين جرجان وخوارزم.
الإقليم الثامن: مازندران:
بفتح الميم وبعدها ألف وفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الدال والراء المهملتين وألف ثم نون، وهو لإقليم على القرب من طبرستان وقاعدتها جرجان. قال في اللباب: بضم الجيم وسكون الراء المهملة وجيم ثانية وألف وفي آخرها نون. قال في المشترك: والعجم تسميها كركان بضم الكاف وسكون الراء المهملة. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال المهلبي: وهي مدينة جليلة بين خراسان وبين طبرستان، فخوارزم منها في جهة الشرق وطبرستان منها في جهة الغرب. قال: وهي بلدة كثيرة الأمطار، متصلة الشتاء، وفي وسطها نهر يجري، وهي قريبة من بحر الخزر، والجبال محتفةٌ بها فهي سهلية جبلية يجتمع فيها فواكه الغور والنجد، قال: وبها من خشب الخلنج ما ليس في بلد آخر مثله.
ولها مدن أخرى: منها سارية. قال في اللباب: بفتح السين المهملة وألف وراء مهملة ومثناة من تحتها وهاء. قال في اللباب: وهي مدينة من مازندران. قال ابن سعيد: من طبرستان- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. وفي شرقيها خوار الري وبينهما نحو ثمانين ميلاً.
ومنها أستراباذ. قال في المشترك: بفتح الهمزة. وقال في اللباب: بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكسر المثناة من فوق وفتح الراء المهملة وبالباء الموحدة بين ألفين وفي آخرها ذال معجمة. قال في اللباب: وقد يلحقون فيها ألفاً أخرى بين التاء والراء. قال في المشترك: أستر اسم رجل وأباذ اسم عمارة، فكأنه قال عمارة أستر. وهي مدينة من مازندران. وقيل من خراسان. وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة.
قال في القانون حيث الطول تسع وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس دقائق. قال في العزيزي: وهي على حد طبرستان وبينها وبين آمل قصبة طبرستان تسعة وثلاثون فرسخاً.
ومنها آبسكون. قال في اللباب: بفتح الألف الممدودة وضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وضم الكاف وفي آخرها نون- وهي بلدة على ساحل بحر الخزر واقعةٌ في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول تسع وسبعون درجة وخمس وأربعين دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في القانون: وهي فرضة جرجان. قال ابن حوقل: وإليها ينسب بحر آبسكون، ومنها يركب إلى الخزر وإلى باب الأبواب والجيل والديلم وغير ذلك.
الإقليم التاسع: قومس:
قال في اللباب: بضم القاف وسكون الواو وفتح الميم وفي آخرها سين مهملة. قال: ويقال لها بالفارسية كومس بإبدال القاف كافاً. قال: وهي من بسطام إلى سمنان، وهما من قومس بين خراسان وبين الجبال، أولها من ناحية الغرب سمنان. قال أحمد الكاتب: وقومس بلدٌ واسع جليل القدر. وقال في المشترك: قومس موضع كبير فيه بلاد كثيرة وقرىً- وقاعدتها سمنان قال في المشترك: بكسر السين المهملة وسكون الميم ونونين بينهما ألف. وقال في القانون حيث الطول تسع وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في المشترك وهو بلد مشهور بين الري والدامغان.
وبها مدن أيضاً: منها الدمغان. قال في اللباب: بفتح الدال المهملة وألف وفتح الميم والغين المعجمة وألف ثانية ثم نون- وموقعها في الإقليم الرابع. قال في القانون حيث الطول تسع وسبعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة.
ومنها بسطام. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وسكون السين وفتح الطاء المهملتين وفي الآخر ميم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في اللباب: وهي بلدة مشهورة. قال ابن حوقل: ولها البساتين الكثيرة، وهي كثيرة الفواكه، وإليها ينسب أبو يزيد البسطامي الزاهد.
الإقليم العاشر: خراسان:
قال في اللباب: بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف ثم سين مهملة وألف ونون- وهي بلاد كثيرة. قال: وأهل العراق يقولون إنها من الري إلى مطلع الشمس، وبعضهم يقول من حلوان إلى مطلع الشمس، ومعنى خر اسمٌ للشمس، واسان موضع الشيء ومكانه، وقيل معنى خراسان كل بالرفاهية. قال في تقويم البلدان: ويحيط بها من جهة الغرب المفازة التي بين بلاد الجيل وجرجان، ومن جهة الجنوب مفازة فاصلة بينها وبين فارس وقومس، ومن الشرق نواحي سجستان وبلاد الهند، ومن جهة الشمال بلاد ما وراء النهر وشيءٌ من تركستان. قال: وخراسان تشتمل على عدة كور كل كورةٍ منها نحو إقليم.
ومن كورها المشهورة جوين بضم الجيم وفتح الواو وسكون المثناة من تحت ونون في الآخر. وقوهستان بضم القاف وسكون الواو وفتح الهاء وسكون السين المهملة وفتح المثناة فوق وألف ثم نون. وبغشور بفتح الباء الموحدة والغين المعجمة الساكنة ثم شين معجمة وواو وراء مهملة في الآخر.
ومرو بفتح الميم وسكون الراء المهملة وواو في الآخر. وطوس بضم الطاء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. وبيهق بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح الهاء وقاف في الآخر. وباخرز بفتح الباء الموحدة ثم ألف وخاء معجمة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة؛ وإليها ينسب الباخرزي الذي أسلم على يديه بركة.
وقاعدتها فيما ذكره المؤيد صاحب حماة في تاريخه نيسأبور. قال في اللباب: بفتح النون وسكون المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وسكون الألف وضم الباء الموحدة وبعدها واو وراء مهملة. قال في اللباب: وسميت نيسأبور لأن سأبور الملك لما رآها، قال: يصلح أن يكون هاهنا مدينةٌ، وكانت قصباً فأمر بقطع القصب وأن تبنى مدينة، فقيل نيسأبور والني هو القصب. قال ابن سعيد: والعجم تسميها نشاور. قال في تقويم البلدان: واسمها الآن نشاور؛ يعني بفتح النون والشين المعجمة وألف وفتح الواو وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة مشهورة في أرض سهلة، وهي مفترشة البناء مقدار فرسخ في فرسخ، وبها قني ماء، وهي صحيحة الهواء. قال في اللباب: وهي أحسن مدن خراسان وأجمعها للخير. قال أحمد بن يعقوب الكاتب: وبينها وبين كل من مرو ومن هراة ومن جرجان ومن الدامغان عشر مراحل.
وبها مدن عديدة: منها الطابران. قال في اللباب: بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء المهملة وبعد الألف نون. قال في القانون: وهي قصبة طوس من كور خراسان- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في العزيزي: وهي من أجل مدن خراسان.
ومنها نوقان. قال في اللباب: بفتح النون وسكون الواو وفتح القاف وبعد الألف نون- وهي مدينة من أعمال طوس من خراسان، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول اثنتان وثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة. قال المهلبي: وهي من أجل مدن خراسان وأعمرها، وبظاهرها قبر الغمام علي بن موسى بن جعفر الصادق، وقبر هارون الرشيد الخليفة العباسي؛ وبها معدن الفيروزج والدهنج.
سومنها إسراين. قال في اللباب: بكسر الألف وسكون السين المهملة وفتح الفاء والراء المهملة وكسر المثناة التحتية ونون في الآخر- وهي بلدة بنواحي نيسأبور من خراسان- موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول إحدى وسبعون درجة، والعرض ثلاث وثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: وتسمى المهرجان أيضاً بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الراء المهملة والجيم وألف ونون في الآخر. يقال إن كسرى سماها بذلك تشبيهاً بالمهرجان أحد أعياد الفرس: لأن المهرجان أطيب أوقات الفصول، شبهها بذلك لخضرتها ونضارتها، وإليها ينسب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الغمام الكبير المشهور.
ومنها خسروجرد. قال في اللباب: بضم الخاء المعجمة وسكون السين وفتح الراء المهملتين وسكون الواو وكسر الجيم ثم راء ودال مهملتان- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول إحدى وثمانون درجة وخمس دقائق، والعرض ست وثلاثون درجة. قال في المشترك: وهي قصبة ناحية بيهق من خراسان. وقال في اللباب: كانت قصبتها ثم صارت القصبة سبروار.
ومنها نس. قال في المشترك: بفتح النون والسين المهملة وألف مقصورة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول اثنتان وثمانون درجة، والعرض تسع وثلاثون درجة. قال في المشترك: وهي مدينة من خراسان بين أبيورد وسرخس. قال ابن حوقل: وهي مدينة حصينة، ومنها الإمام أحمد النسائي صاحب السنن.
ومنها أزاذوار. قال في تقويم البلدان: بالهمزة والزاي المعجمة ثم ألف وذال معجمة وواو مفتوحتين وألف وراء مهملة في الآخر. وهي قصبة جوين من خراسان. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة؛ ومنها إمام الحرمين الإمام الشافعي المشهور.
ومنها قاين. قال في اللباب: بفتح القاف وبعد الألف ياء مثناة تحتية مكسورة ثم نون. وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول أربع وثمانون درجة وخمس وثلاثون دقيقة والعرض ثلاث وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي قصبة قوهستان، من خراسان على مفازة. قال: وهي مثل سرخس في الكبر، وماؤها من القني، وبساتينها قليلة، وقراها متفرقة. قال في اللباب: وإليها ينسب جماعة من العلماء.
ومنها سرخس. قال في تقويم البلدان: بفتح السين والراء المهملتين ثم خاء معجمة ساكنة وسين مهملة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول خمس وثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة بين نيسأبور وبين مرو في أرض سهلة، وليس لها ماء جار إلا نهر يجري في بعض السنة، وهي فضلة مياه هراة؛ والغالب على نواحيها المراعي؛ ومعظم مال أهلها الجمال، وماؤهم من الآبار، وأرحيتهم على الدواب. قال المهلبي: والرمال محتفةٌ بها.
ومنها بوشنج. قال في اللباب: بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وسكون النون وجيم في الآخر. قال في اللباب: ويقال لها أيضاً فوشنج بالفاء بدل الباء. قال في تقويم البلدان: ويقال لها أيضاً بوشنك بالكاف بدل الجيم. قال ابن حوقل: وهي مدينة على نحو النصف من هراة في مستوٍ من الأرض، ولها مياه وأشجار كثيرة، وماؤها من نهر بهراة، وهو يجري من هراة إلى بوشنج إلى سرخس.
ومنها هراة. قال في اللباب: بفتح الهاء والراء المهملة ثم ألف وهاء في الآخر. قال في التعريف: ولا يسمع عجمي إلا هرى- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول خمس وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي من خراسان، ولها أعمال، وداخلها مياه جارية، والجبل منها على نحو فرسخين، ومنه تعمل حجارة الأرحية وغيرها، وليس سبه محتطب ولا مرعىً، وعلى رأسه بيت نار كان للفرس، وخارج هراة المياه والبساتين. قال في المشترك: وكانت مدينة عظيمةً فخر بها التتر. قال في اللباب: وكان فتحها في خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه. قال: والنسبة إليها هروي. قال في مسالك الأبصار: ومن الناس من يعد هراة مفردة بذاتها عن خراسان؛ وصاحبها يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها مرو الروذ. قال في المشترك: بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفي الآخر واو. وقال في اللباب بفتح الواو وألف ولام وضم الراء الثانية وسكون الواو وذال معجمة، والوذ بالعجمية النهر، ومعناه مرو النهر.
وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول سبع وثمانون درجة وأربعون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة.
قال ابن حوقل: وهي أكبر من بوشنج، ولها نهر كبير وعليه البساتين، وهي طيبة التربة والهواء، والجبل عنها في جهة الغرب على ثلاثة فراسخ. قال في اللباب: وهي من أشهر مدن خراسان، والنسبة غليها مروروذي ومووذي أيضاً.
ومنها مرو الشاهجان. قال في المشترك: بفتح الميم وسكون الراء المهملة وواو في الآخر، وهو مضاف إلى الشاهجان بفتح الشين وألف بعدها هاء ثم جيم وألف ونون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في المشترك: ومرو الشاهجان معناه روح الملك. قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة، والعرض سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة قديمة يقال إنها من بناء طهمورث: أحد ملوك الفرس. قال في مسالك الأبصار: ويقال إنها من بناء ذي القرنين. قال: وهي في أرض مستويةٍ بعيدة عن الجبال لا يرى منها الجبل، وأرضها كثيرة الرمل وفيها سبوخة، ويجري على بابها نهرٌ يدخل منه الماء إلى حياض المدينة، ومنه شرب أهلها؛ ولها ثلاثة أنهار أخر؛ وبها الفواكه الحسنة تقدد وتحمل إلى البلاد؛ وبها الزبيب الذي لا نظير له؛ ولها من النظافة وحسن الترتيب وتقسيم الأبنية والغروس على الأنهار، وتمييز كل سوقٍ عن غيره ما ليس لغيرها من البلاد. قال في المشترك: والنسبة إليها مروزي. قال في تقويم البلدان: وبها كان مقام المأمون لما كان بخراسان؛ وبها قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس؛ ومنها ظهرت دولة بني العباس، وبها صبغ أول سواد لبسته المسودة؛ ومنها يرتفع الحرير الكثير والقطن. قال في المشترك: وبينها وبين كل من نيسأبور وهراة وبلخ وبخارا مسيرة اثني عشر يوماً.
ومنها الطالقان. قال في المشترك: بفتح الطاء المهملة واللام والقاف ثم ألف ونون. وقال في اللباب: بتسكين اللام- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ثمان وثمانون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة نحو مرو الروذ في الكبر؛ ولها مياه جارية وبساتين قليلة؛ وهي في جبل، ولها رستاق في الجبل، وهي غير الطالقان المقدم ذكرها في عراق العجم.
ومنها بلخ. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفي آخرها خاء معجمة- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال والقانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وأربعون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة في مستوٍ من الأرض، بينها وبين أقرب جبل إليها أربعة فراسخ؛ والمدينة نصف فرسخ في مثله؛ ولها نهر يسمى الدهاش يجري في ربضها، وهو نهر يدير عشر أرحية؛ والبساتين تحتف بها من جميع جهاتها؛ وبها الأترج وقصب السكر؛ وتقع في نواحيها الثلوج. قال في اللباب: فتحها الأحنف بن قيس التميمي في خلافة عثمان رضي الله عنه؛ وخرج منها ما لا يحصى من الأئمة والعلماء والصلحاء.
ومنها شهرستان. قال في اللباب: بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وفتح الراء وسكون السين المهملتين وفتح التاء المثناة من فوق وبعد الألف نون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال والقانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة، والعرض ست وثلاثون درجة وإحدى وأربعون دقيقة. قال في المشترك: شهر بلغة الفرس المدينة، واستان الناحية، فمعنى اسمها مدينة الناحية. قال: وهي مدينة مشهورة بين نيسأبور وخوارزم في آخر حدود خراسان وأول حدود رمال خوارزم.
الإقليم الحادي عشر: زابلستان:
بفتح الزاي المعجمة ثم ألف بعدها باء موحدة ولام مضمومتان وسين مهملة ساكنة وتاء مثناة فوق مفتوحة ثم ألف ونون- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض أربع وثلاثون درجة وخمس عشرة دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة لها بلاد وأعمال، وهي عن بلخ على عشر مراحل، وعندها نهر كبير يجري؛ وليس لها بساتين بل مدينة على جبل، والفواكه تأتيها مجلوبة. قال في اللباب: وبها قلعة حصينة.
ولها مدن غيرها: منها غزنة. قال في اللباب: بفتح الغين وسكون الزاي المعجمتين وفتح النون- وموقعها في آخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال والقانون حيث الطول أربع وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: هي من عمل الباميان؛ وقد تقدم أن الباميان من زابلستان. وقال في اللباب: هي من أول بلاد الهند. وقال في مزيل الارتياب: هي في طرف خراسان وأول بلاد الهند، وهي كالحد بينهما. قال ابن حوقل: وهي فرضة الهند وموطن التجار، ولها دربند مشهور.
ومنها بنجهير. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الجيم وكسر الهاء وسكون المثناة تحت وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول أربع وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض خمس وثلاثون درجة. قال ابن حوقل: وهي مدينة من أعمال الباميان على جبل، والغالب على أهلها العيث والفساد. قال في اللباب: وبها جبل الفضة، والدراهم بها كثيرة، لا يشترون ولو باقة بقلٍ بأقل من درهم، وقد جعلوا السوق كهيئة الغربال لكثرة الحفر. قال: وإنما يتبعون عروقاً يجدونها تفضي إلى الفضة، فإذا وجدوا عرقاً حفروا أبداً إلى أن يصيروا إلى الفضة، والرجل منهم ينفق الأموال الكثيرة في الحفر، وربما خرج له من الفضة ما يستغني به هو وعقبه، وربما خاب عمله لقلة المال وغير ذلك، وربما وقف رجل على العرق ووقف آخر عليه في موضع آخر فيأخذان جميعاً في الحفر؛ والعادة عندهم أن من سبق فاعترض على صاحبه فقد استحق.
الإقليم الثاني عشر: الغور:
قال في اللباب: بضم الغين المعجمة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر. قال: وهي بلاد في الجبال بخراسان قريبةٌ من هراة، وهي مملكة كبيرة، وغالبها جبال عامرة ذات عيون وبساتين وأنهار، وهي بلاد حصينة منيعة، وتحيط بها خراسان من ثلاث جهات ولذلك حسبت من خراسان، والحد الرابع لها قبلي سجستان.
وقاعدتها فيما قاله في تقويم البلدان بيروزكوه. قال في المشترك: بكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية وضم الراء المهملة وواو ثم زاي معجمة وضم الكاف وواو وهاء- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في المشترك: معنى بيروزكوه الجبل الأزرق؛ وهي قلعة حصينة دار مملكة جبال الغور. قال: وبها كان مستقراً بنو ساثحان ملوك الغور.
قلت: وبلاد الغور وغزنة وما والاها وإن عدها في مسالك الأبصار من مملكة التورانيين، فإنها ليست من أصل مملكة توران، وإنما تغلب ملوكها عليها من مملكة إيران، فلذلك أثبتها في مملكة إيران؛ وما غلب عليه بنو هولاكو من مملكة الروم، وهو قونية وما معها ليس من مملكة إيران بل هو مملكة مستقلة بذاتها كما سيأتي، ولذلك لم أثبتها في مملكة إيران والله أعلم.
الجملة الأولى في الأنهار المشهورة:
واعلم أن بهذه المملكة عدة أنهار، والمشهور منها ثلاثة عشر نهراً:
الأول الفرات وما يصب فيها ويخرج منها. فأما نهر الفرات فأوله من شمالي مدينة أرزن الروم وشرقيها، وأرزن هذه آخر حد بلاد الروم من جهة الشرق؛ ثم يأخذ إلى قرب ملطية ثم إلى شمشاط، ثم يأخذ مشرقاً ويتجاوز قلعة الروم ويمر مع جانبها من شماليها وشرقيها؛ ثم يسير إلى البيرة، ويمر من جنوبيها، ثم يمر مشرقاً حتى يتجاوز بالس وقلعة جعبر ويتجاوزها إلى الرقة؛ ثم يمر مشرقاً ويتجاوز الرحبة من شمالها ويسير إلى عانة ثم إلى هيت، ثم يسير إلى الكوفة. فإذا جاوز نهر كوثى بستة فراسخ انقسم نصفين، ومر الجنوبي منهما إلى الكوفة ويجاوزها ويصب في البطائح. ويمر القسم الآخر وهو أعظمهما ويعرف بنهر سورا، زيمر بإزاء قصر ابن هبيرة، ويتجاوزها إلى مدينة بابل القديمة، ويتفرع منه عدة أنهر ويمر عموده إلى النيل ويسمى من بعد النيل نهر الصراة؛ ثم يتجاوز النيل ويصب في دجلة.
وأما الأنهار التي تصب فيه، فمنها نهر شمشاط، ونهر البليخ، ونهر الخأبور، ونهر الهرماس، وغيرها.
وأما الأنهار التي تخرج من الفرات، فمنها نهر عيسى، ونهر صرصر، ونهر الملك، ونهر كوثى، وغير ذلك.
الثاني دجلة وما يصب إليها ويخرج منها. فأما دجلة فقال في المشترك: بكسر الدال المهملة وسكون الجيم. قال: وهي نهر عظيم مشهور مخرجه من بلاد الروم؛ ثم يمر على آمد، وحصن كيفا، وجزيرة ابن عمر، والموصل، وتكريت، وبغداد، وواسط، والبصرة؛ ثم يصب في بحر فارس.
وذكر في العزيزي: أن رأس دجلة شمالي ميافارقين من تحت حصنٍ يعرف بحصن ذي القرنين. ويجري من الشمال والغرب إلى جهة الجنوب والشرق؛ ثم يشرق ويرجع إلى جهة الشمال؛ ثم يغرب بميلة إلى الجنوب إلى مدينة آمد، ثم يأخذ جنوباً إلى جزيرة ابن عمر؛ ثم يأخذ شرقاً وجنوباً إلى مدينة بلد؛ ثم يشرق إلى الموصل، ثم يسير مشرقاً إلى تكريت؛ ثم يأخذ مشرقاً نصباً إلى سر من رأى؛ ثم يأخذ جنوباً على عكبرى؛ ثم يأخذ مشرقاً إلى البردان، ثم يأخذ جنوباً بميلة إلى الشرق إلى بغداد؛ ثم يسير جنوباً إلى كلواذا، ويأخذ إلى المدائن ويتجاوز إلى دير العاقول؛ ثم يسير مشرقاً إلى النعمانية؛ ثم يسير جنوباً ومشرقاً إلى فم الصلح، ثم يسير مغرباً إلى واسط؛ ثم يشرق إلى بطائح واسط؛ ثم يخرج من البطائح ويسير بين الشرق والجنوب حتى يتجاوز البصرة، ويمر على فوهة الأبلة ثم يسير إلى عبادان ويصب في بحر فارس.
وأما الأنهار التي تصب في دجلة: فمنها نهر أرزن، ونهر الثرثار، ونهر الفرات الأعلى وهو الأكبر، ونهر الزاب الأصغر، وغيرها.
وأما الأنهار التي تخرج من دجلة فعدة أنهار، من أشهرها نهر الأبلة، ونهر معقل المقدم ذكرهما في الكلام على منتزهات هذه المملكة.
الثالث دجلة الأهواز. وهو نهر ينبعث من الأهواز، ويمر في جهة الغرب إلى عسكر مكرمٍ؛ وهو قرب دجلة بغداد في المقدار، وعليه مزارع عظيمة من قصب السكر وغيره.
الرابع نهر شيرين. وهو نهر يخرج من جبل دينار من ناحية بازرع، ويخترق بلاد فارس، ويقع في بحر فارس عند جنابة، من بلاد فارس.
الخامس نهر المسرقان. وهو نهر عظيم في بلد خوزستان، يجري من ناحية تستر، ويمر على عسكر مكرم، ويسقي بجميع مائه النخل والزرع وقصب السكر، ولا يضيع شيء من مائه.
السادس نهر تستر. وهو نهر يخرج من وراء عسكر مكرم، ويمر على الأهواز، ثم ينتهي إلى نهر السدرة إلى حصن مهدي، ويصب في بحر فارس.
السابع نهر طاب. ومخرجه من جبال أصفهان من قرب المرج، وينضم إليه نهر آخر ويسير حتى يمر على باب أرجان، ويقع في بحر فارس عند شينير.
الثامن نهر سكان. وهو نهر يخرج من رستاق الرونجان من قرية تدعى ساركري، ويسقي شيئاً كثيراً من كور فارس؛ ثم يصب في بحر فارس؛ وعليه من العمارة ما ليس على غيره.
التاسع نهر زندورذ، بفتح الزاي المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة والواو ثم راء مهملة ساكنة وذال معجمة في الآخر. وهو نهر كبير على باب أصفهان.
العاشر نهر الهندمند، قال ابن حوقل: وهو أعظم أنهار سجستان، ويخرج من ظهر الغور، ويمر على حدود الرخج، ثم يعطف ويمر على بست، حتى يصير على مرحلة من سجستان، ثم يصب في بحيرة زره؛ وإذا تجاوز بست يتشعب منه أنهار كثيرة؛ وعلى باب مدينة بست على هذا النهر جسرٌ من السفن كما في دجلة.
الحادي عشر نهر الرس. وهو نهر يخرج من جبال قاليقلا ويمر إلى ورثان؛ ثم يلتقي مع نهر الكر الآتي ذكره بالقرب من بحر الخزر فيصيران نهراً واحداً ويصبان في بحر الخزر المذكور. قال في تقويم البلدان: وخلف نهر الرس فيما يقال ثلثمائة وستون مدينة خراب، يقال إنها المراد في القرآن بقوله تعالى: {وأصحاب الرس}.
الثاني عشر نهر الكر. وهو نهر فاصل بين أران وأذربيجان كالحد بينهما، وأوله عند جبل باب الأبواب، ويخترق بلاد أران ويصب في بحر الخزر. وذكر ابن حوقل أن نهر الكر يمر على ثلاثة فراسخ من بردعة. وبفارس أيضاً نهر يقال له نهر الكر إلا أنه دون هذا في القدر والشهرة.
الثالث نهر جرجان ومخرجه من جبل جرجان، ويسير غرباً بجنوب إلى آبسكون ثم يفترق من آبسكون نهرين ويصب في بحر الديلم.
الجملة الثانية في الطرق الموصلة إلى قواعد هذه المملكة وذكر شيء من المسافات بين بلادها:
واعلم أن آخر المملكة المضافة إلى الديار المصرية من جهة الشرق مملكة حلب. فتعين الابتداء منها. ونحن نورد ذلك على ما يقتضيه كلام عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك مقتصراً على ذكر مشاهير البلاد.
الطريق من حلب إلى الموصل من حلب إلى منبج، ومن منبج إلى الرستن، ومن الرستن إلى الرقة إلى رأس عين سبعة عشر فرسخاً، ومن رأس عين إلى كفرتوثا سبعة فراسخ، ومن كفرتوثا إلى دارا خمسة فراسخ، ومن دارا إلى نصيبين أربعة فراسخ، ثم إلى بلد ثلاثون فرسخاً، ثم إلى الموصل سبعة فراسخ.
الطريق من الموصل إلى بغداد من الموصل إلى الحديثة أحد وعشرون فرسخاً، ثم إلى السن خمسة فراسخ، ثم إلى سر من رأى ثلاثة فراسخ، ثم إلى القادسية تسعة فراسخ، ثم إلى عكبرى ثمانية فراسخ، ثم إلى البردان أربعة فراسخ، ثم إلى بغداد خمسة فراسخ وأخبرني بعض أهل تلك البلاد أن الطريق من حلب إلى البيرة يومان. ومن البيرة إلى الرها يومان، ومن الرها إلى ماردين أربعة أيام، ثم من ماردين إلى جزيرة ابن عمر ثلاثة أيام، ثم من جزيرة ابن عمر إلى الموصل يومان، ومن الموصل إلى تكريت يومان، ومن تكريت إلى خوي يومان، ومن خوي إلى بغداد يومان.
الطريق إلى نيسأبور: قاعدة خراسان من بغداد إلى النهروان أربعة فراسخ. ثم إلى الدسكرة اثنا عشر فرسخاً. ثم إلى جلولاء، سبعة فراسخ، ثم إلى خانقين سبعة فراسخ، ثم إلى قصر شيرين ستة فراسخ، ثم إلى حلوان خمسة فراسخ، ثم إلى مرج القلعة عشرة فراسخ، ثم إلى قصر يزيد أربعة فراسخ، ثم إلى قصر عمرو ثلاثة عشر فرسخاً، ثم إلى قصر اللصوص سبعة عشر فرسخاً، ثم إلى قرية العسل ثلاثة فراسخ، ثم إلى همذان خمسة فراسخ، ثم إلى الأساورة اثنان وعشرون فرسخاً، ثم إلى ساوة خمسة عشر فرسخاً، ثم إلى الري أربعة وعشرون فرسخاً، ثم إلى قصر الملح أحد وثلاثون فرسخاً، ثم إلى راس الكلب سبعة فراسخ، ثم إلى سمنان ثمانية فراسخ، ثم إلى ومن سبعة عشر فرسخاً، ثم إلى أسداباذ أربعون فرسخاً، ثم إلى خسروجرد اثنا عشر فرسخاً، ثم إلى نيسأبور خمسة عشر فرسخاً.
الطريق من نيسأبور إلى بلخ ثم إلى نهر جيحون من نيسأبور إلى طوس ثلاثة عشر فرسخاً، ثم إلى مرو الروذ أحد عشر فرسخاً، ثم إلى سرخس، ثم إلى قصر النجار ثلاثة فراسخ، ثم إلى مرو الشاهجان سبعة وعشرون فرسخاً، ثم إلى القريتين خمسة وعشرون فرسخاً، ثم إلى أسداباذ على النهر سبعة فراسخ، ثم إلى قصر الأحنف على النهر عشرة فراسخ، ثم إلى مرو الروذ خمسة فراسخ، ثم إلى الطالقان ثلاثة وعشرون فرسخاً، ثم إلى ارعين تسعة فراسخ، ثم إلى العاديات عشرة فراسخ، ثم إلى السدرة من عمل بلخ أربعة وعشرون فرسخاً، ثم إلى الغور تسعة فراسخ، ثم إلى بلخ ثلاثة فراسخ، ثم إلى شط جيحون اثنا عشر فرسخاً.
فذات اليمين كورة ختل ونهر الضرغام، وذات اليسار خوارزم، وسيأتي ذكرهما في الكلام على مملكة توران فيما بعد إن شاء الله تعالى.
الطريق إلى شيراز قاعدة فارس قد تقدم الطريق من حلب من مضافات الديار المصرية إلى بغداد، ومن بغداد إلى واسط خمسة وعشرون سكة، ومن واسط إلى الأهواز عشرون سكة، ثم إلى النوبندجان تسع عشرة سكة، ثم إلى شيراز اثنتا عشرة سكة.
الطريق من شيراز إلى السيرجان قاعدة كرمان من شيراز إلى إصطخر خمس سكك، ثم من إصطخر إلى البحيرة ثلاثة عشر فرسخاً، ثم إلى شاهك الكبرى سبعة عشر فرسخاً، ثم إلى قرية الملح تسعة فراسخ، ثم إلى مرزبانة ثمانية فراسخ، ثم إلى اروان ثلاثة فراسخ، ثم إلى المرمان وهو آخر عمل فارس إلى السيرجان ستة عشر فرسخاً.
الطريق إلى أصبهان من ومن المقدم ذكرها إلى الرباط ثلاثة عشر فرسخاً، ثم إلى أصبهان أربعة عشر فرسخاً.
الطريق إلى البصرة قد تقدم الطريق من حلب إلى بغداد ثم إلى واسط، ثم إلى الفاروث، ثم إلى دير العمال، ثم إلى الحوانيت، ثم يسير في البطائح، ثم إلى نهر أبي الأسد، ثم في دجلة العورا، ثم في نهر معقل، ثم يمضي إلى البصرة.
الطريق إلى تبريز قد تقدم الطريق من حلب إلى ماردين، ثم من ماردين إلى حصن كيفا يومان، ومن الحصن إلى سعرت يومان، ومن سعرت إلى وان يومان، ومن وان إلى وسطان ثلاثة أيام، ومن وسطان إلى سلماس يومان، ومن سلماس إلى تبريز أربعة أيام؛ فيكون بين حلب وتبريز ثلاثةٌ وعشرون يوماً.
الطريق إلى السلطانية من تبريز إليها سبعة أيام؛ فيكون من حلب إلى السلطانية ثلاثون يوماً.
الجملة الثالثة في بعض مسافات بين بلاد هذه المملكة:
بعض مسافات بلاد الجزيرة من الأنبار إلى تكريت مرحلتان، ومن تكريت إلى الموصل ستة أيام، ومن الموصل إلى آمد أربعة أيام، ومن آمد إلى سميساط ثلاثة أيام، ومن الموصل إلى نصيبين أربع مراحل، ومن نصيبين إلى رأس عين ثلاث مراحل، ومن رأس عين إلى الرقة أربعة أيام، ومن رأس عين إلى حران ثلاثة أيام، ومن حران إلى الرها يوم واحد.
بعض مسافات خوزستان من عسكر مكرمٍ إلى الأهواز مرحلة، ومن الأهواز إلى الدورق أربع مراحل، وكذلك من عسكر مكرم إلى الدورق ومن عسكر مكرمٍ إلى سوق الأربعاء مرحلة، ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهدي مرحلة، سومن السوس إلى بصنى مرحلة خفيفة، ومن السوس إلى متوث مرحلة.
بعض مسافات فارس قال ابن حوقل: من شيراز إلى سيراف نحو ستين فرسخاً، ومن شيراز إلى إصطخر نحو اثني عشر فرسخاً، ومن شيراز إلى كازون نحو عشرين فرسخاً، ومن كازون إلى جنابة أربعة وأربعون فرسخاً، ومن شيراز إلى أصبهان اثنان وسبعون فرسخاً، ومن شيراز مغرباً إلى أول حدود خوزستان ستون فرسخاً، ومن شيراز إلى بسا سبعة وعشرون فرسخاً، ومن شيراز إلى البيضاء ثمانية فراسخ، ومن شيراز إلى دارابجرد خمسون فرسخاً، ومن مهروبان إلى حصن ابن عمارة نحو مائة وستين فرسخاً.
بعض مسافات كرمان من السيرجان إلى المفازة مرحلتان، ومن السيرجان إلى جيرفت مرحلتان، ومن السيرجان إلى مدينة الزرند تسعة وعشرون فرسخاً.
بعض مسافات إرمينية وأران وأذربيجان قال ابن حوقل: من بردعة إلى شمكور أربعة عشر فرسخاً، ومن بردعة إلى تفليس ثلاثة وأربعون فرسخاً، ومن أردبيل إلى المراغة أربعون فرسخاً، ومن المراغة إلى أرمية أربع مراحل، ومن أرمية إلى سلماس مرحلتان، ومن سلماس إلى خوي سبعة فراسخ، ومن خوي إلى بركري ثلاثون فرسخاً، ومن بركري إلى أرجيش يومان، ومن أرجيش إلى خلاط ثلاثة أيام، ومن خلاط إلى بدليس ثلاثة أيام، ومن بدليس إلى ميافارقين أربعة أيام.
ذكر الطريق من المراغة إلى أردبيل، من مراغة إلى أرمية ثلاثون فرسخاً، ومن أرمية إلى سلماس أربعة عشر فرسخاً، ومن خوي إلى نشوى ثلاثة أيام، ومن نشوى إلى دبيل أربع مراحل، ومن المراغة إلى الدينور ستون فرسخاً، ومن خونج إلى مرغة ثلاثة عشر فرسخاً، ومن بردعة إلى ورثان سبعة فراسخ، ومن ورثان إلى بيلقان سبة فراسخ، ومن شروان إلى باب الأبواب نحو سبعة أيام، ومن بردعة إلى تفليس نحو اثنين وستين فرسخاً.
بعض مسافات عراق العجم من همذان إلى الدينور ما ينيف على عشرين فرسخاً، ومن همذان إلى ساوة ثلاثون فرسخاً، ومن ساوة إلى الري ثلاثون فرسخاً أيضاً؛ ومن همذان إلى زنجان على شهرزور ثلاثون فرسخاً، ومن همذان إلى أصبهان ثمانون فرسخاً، ومن همذان إلى أول خراسان نحو سبعين فرسخاً، ومن ساوة إلى قم نحو اثني عشر فرسخاً، ومن قم إلى قاشان نحو اثني عشر فرسخاً أيضاً، ومن الري إلى قزوين ثلاثون فرسخاً، ومن الدينور إلى شهرزور أربع مراحل، ومن أصبهان إلى قاشان ثلاث مراحل.
بعض مسافات طبرستان ومازندران وقومس قال ابن حوقل: بين آمل وسارية مرحلتان، ومن سارية إلى أستراباذ نحو أربع مراحل، ومن أستراباذ إلى جرجان نحو مرحلتين، ومن آمل إلى مامطير مرحلة، ومن مامطير إلى سارية مرحلة، ومن جرجان إلى بسطام مرحلتان.
بعض مسافات خراسان قال في تقويم البلدان: من أول أعمال نيسأبور إلى وادي جيحون ثلاث وعشرون مرحلة، ومن سرخس إلى نسا سبعة وعشرون فرسخاً، ومن هراة إلى نيسأبور أحد عشر يوماً، ومن هراة إلى مرو كذلك ومن هراة إلى سجستان كذلك، ومن مرو الروذ إلى مرو الشاهجان أربعة أيام، ومن بلخ إلى فرغانة ثلاثون مرحلة مشرقاً، ومن بلخ إلى الري ثلاثون مرحلة مغرباً، ومن بلخ إلى سجستان ثلاثون مرحلة جنوباً، ومن بلخ إلى كرمان ثلاثون مرحلة ومن بلخ إلى خوارزم ثلاثون مرحلة.
الجملة الرابعة فيما بهذه المملكة من النفائس العلية القدر والعجائب الغربية الذكر والمنتزهات المرتفعة الصيت:
وقد ذكر في مسالك الأبصار بها عدة نفائس وعجائب.
أما النفائس فإن بها مغاص اللؤلؤ ببحر فارس بجزيرة كيش وعمان، وهما من أحسن المغاصات وأشرفها وأعلاها قدراً في حسن اللؤلؤ على ما تقدم ذكره في الكلام على الأحجار النفيسة فيما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى.
وبالدامغان في جبلها معدن ذهب. قال الشيخ شمس الدين الأصفهاني: وهو قليل المتحصل لكثرة ما يحتاج إليه من الكلف حتى يستخرج وببذخشان شرقي عراق العجم البازهر الحيواني الذي لا يباريه شيء في دفع السموم يوجد في الاياييل التي هناك، وقد مر ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى.
وبها الإثمد الأصفهاني الذي لا يساوى رتبة، وقد مر ذكره في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى معرفته في المقالة الأولى، ولكنه قد عز الآن حتى لا يكاد يوجد قال المقر الشهابي بن فضل الله: سألت الشيخ شمس الدين الأصفهاني عن سبب قلته، فقال: لانقطاع عرقه فما بقي يوجد منه إلا ما لا يرى. قال في مسالك الأبصار: وبهذه المملكة مستعملات القماش الفاخر من النخ والمخمل، والكمخا، والعتابي، والنصافي، والصوف الأبيض المارديني، وتعمل بها البسط الفاخرة في عدة مواضع مثل شيراز وأقصرا وتوريز إلى غير ذلك من الأشياء النفيسة التي لا يضاهيها غيرها فيها.
وأما العجائب، فقد ذكر الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن بمدينة قشمير على ثلاثة أيام عن أصفهان عين ماء سارحة يسمى ماؤها بماء الجراد، إذا حمل ماؤها في إناء وعلق في تلك الأرض على عال، أتاها طير يقال له سار فأكل ما فيها من الجراد حتى لا يدع منه شيئاً بشرط أن لا يوضع على الأرض حتى يؤتى به إلى مكان الجراد فيعلق. وحكى محمد بن حيدر الشيرازي في مصنف له: أن بين الدامغان وأستراباذ من خراسان عيناً ظاهرة إذا ألقيت فيها نجاسة فار ماؤها وأزبدت شيئاً تبعته دودة طول أنملة الإنسان حتى لو حمل الماء تسعة وكان معهم عاشر لم يحمل الماء، تبع كل واحد ممن حمل الماء دودة، ولم يتبع الآخر منها شيء، فلو قتل واحدٌ منهم تلك الدودة استحال الماء مراً لوقته، وكذلك ماء كل من هو وراءه، ولا يستحيل ماء من هو إلى جانبه مراً. قال ابن حوقل: وبكورة سأبور من بلاد فارس جبلٌ فيه صورة كل ملكٍ وكل مرزبان معروف للعجم وكل مذكور من سدنة النيران. وفي كورة أرجان في قرية يقال لها طبريان بئرٌ يذكر أهلها أنهم امتحنوا قعرها بالمثقلات فلم يلحقوا لها قعراً، ويفور منها ماء بقدر ما يدير رحىً تسقي أرض تلك القرية. قال: وفي كورة رستاق بئر تعرف بالهنديجان بين جبلين يخرج منها دخان لا يستطيع أحد أن يقربها، وإذا طار عليها طائر سقط فيها واحترق. وبناحية داذين نهر ماءٍ عذبٍ يعرف بنهر أخشين، يشرب منه الناس وتسقى به الأرض، وإذا غسلت به لا ثياب خرجت خضراً.
وأما المنتزهات فبها نهر الأبلة وشعب بوان- وهما نصف منتزهات الدنيا الأربعة: وهي نهر الأبلة وشعب بوان المذكوران وصغد سمرقند وغوطة دمشق.
وقد تقدم أن نهر الأبلة نهرٌ شقه زيادٌ مقابلة نهر معقل، وبينهما البساتين والقصور العالية والمباني البديعة، يتسلسل مجراه، وتتهلل بكره وعشاياه، ويظله الشجر وتغني به زمر الطير. وفيه يقول القاضي التنوخي من أبيات:
وإذا نظرت إلى الأبلة خلتها ** من جنة الفردوس حين تخيل

كم منزلٍ في نهرها آلى السرو ** ر بأنه في غيرها لا ينزل

وكأنما تلك القصور عرائسٌ ** والروض حليٌ وهي فيه ترفل

وشعب بوان- وهي عدة قرىً مجتمعة ومياه متصلة، والأشجار قد غطت تلك القرى فلا يراها الإنسان حتى يدخلها، وهو بظاهر همذان يشرف عليها من جبل، وهو في سفح الجبل والأنهار تنحط عليه من أعلى الجبل، وهو من أبدع بقاع الأرض منظراً. قال المبرد: أشرفت على شعب بوان فنظرت فإذا بماء ينحدر كأنه سلاسل فضة، وتربةٍ كالكافور، وثرية كالثوب الموشى، وأشجار متهادلة، وأطيار متجاوبة. وفيه قال أبو الطيب المتنبي حين مر به:
مغاني الشعب طيباً في المغاني ** بمنزلة الربيع من الزمان

ولكن الفتى العربي فيها ** غريب الوجه واليد واللسان

الجملة الخامسة في ذكر من ملك مملكة إيران جاهلية وإسلاماً:
وهم على ضربين:
الضرب الأول: ملوكها قبل الإسلام:
واعلم أن هذه المملكة لم تزل بيد ملوك الفرس لابتداء الأمر وإلى حين انقراض دولتهم بالإسلام على ما سيأتي ذكره. قال المؤيد صاحب حماة: وهم أعظم ملوك الأرض من قديم الزمان، ودولتهم وترتيبهم لا يماثلهم في ذلك أحد.
وهم على أربع طبقات:
الطبقة الأولى: اليشداذية:
سموا بذلك لأنه كان يقال لكل من ملك منهم يشداذ ومعناه سيرة العدل.
وأول من ملك منهم أوشهنج وهو أول من عقد على رأسه التاج وجلس على السرير ورتب الملك ونظم الأعمال ووضع الخراج. وكان ملكه بعد الطوفان بمائة سنة، وهو الذي بنى مدينتي بابل والسوس، وكان محمود السيرة، حسن السياسة.
ثم ملك بعده طهمورث وهو من عقب أوشهنج المقدم ذكره، وبينهما عدة آباء، وسلك سيرة جده، وهو أول من كتب بالفارسية.
ثم ملك بعده أخوه جمشيذ ومعناه شعاع القمر، وسار سيرة من تقدمه وزاد عليها، وملك الأقاليم السبعة، ورتب طبقات الحجاب والكتاب ونحوهم؛ وهو الذي أحدث النيروز وجعله عيداً؛ ثم حاد عن سيرة العدل فقتله الفرس.
وملك بعده بيوراسب ويعرف بالدهاك، ومعناه عشر آفات، والعامة تسميه الضحاك؛ وملك جميع الأرض فسار بالجور والعسف، وبسط يده بالقتل، وأحدث المكوس والعشور، واتخذ المغنين والملاهي. وسيأتي خبر هلاكه مع كابي الخارج عليه في الكلام على النحل والملل، ويقال إنه هو ومن قبله كانوا قبل الطوفان.
ثم ملك بعده إفريدون ويقال إنه التاسع من ولد جمشيذ المقدم ذكره، وفي أول ملكه كان إبراهيم عليه السلام، وهو ذو القرنين المذكور في القرآن على أحد الأقوال، وملك جميع الأرض أيضاً وقسمها بين بنيه ومات.
فملك بعده ابنه إيراج بعهد من أبيه، ثم ملك بعده أخوه شرم وطوج ثم غلبهما على الملك منوجهر بن إيراج وفي أيامه ظهر موسى عليه السلام. ويقال إن فرعون موسى كان عاملاً له على مصر داخلاً تحت أمره.
ثم تغلب على المملكة فراسياي بن طوج فأفسد وخرب؛ ثم غلبه عليها زو بن طهماسب من أولاد منوجهر، فأحسن السيرة وعمر البلاد، وشق نهر الزاب وبنى مدينة على جانبه. ثم ملك بعده كرشاسف من أولاد طوج بن إفريدون، وهو آخر ملوك هذه الطبقة.
الطبقة الثانية: الكيانية:
سموا بذلك لأن في أول اسم كل منهم لفظة كي، ومعناه الروحاني وقيل الجبار.
وأول من ملك منهم بعد كرشاسف المقدم ذكره كيقباذ بن زو، فسار سيرة أبيه في العدل ومات؛ فملك بعده كيكاؤوس بن كينيه بن كيقباذ ومات؛ فملك بعده ابنه كيخسرو بن سياووس بن كيكاؤوس بولاية من جده، ثم أعرض عن الملك.
وملك بعد كيهراسف بن أخي كيكاؤوس واتخذ سريراً من ذهب مرصعاً بالجوهر، كان يجلس عليه، وبنى مدينة بلخ بأرض خراسان وسكنها لقتال الترك؛ وفي زمنه كان بختنصر فجعله نائباً له ثم مات.
وملك بعده كيبشتاسف وبنى مدينة نسا، وفي أيامه ظهر زرادشت صاحب كتاب المجوس الآتي ذكره في الكلام على النحل والملل، وتبعه كبيشتاسف على دينهثم فقد.
وملكبعده أردشير بهمن ومعنى بهمن الحسن النية ابن إسفتديار بن كيبشتاسف، واسمه بالعبرانية كورش؛ وملك الأقاليم السبعة، وهو الذي أمر بعمارة البيت المقدس بعد أن خربه بختنصر.
ثم ملك بعده ابنه دارا بن أردشير وفي زمنه ملك الإسكندر بن فيلبس وغلب دارا على ملك فارس، واستناب به عشرين رجلاً، وهم المسمون بملوك الطوائف، فأقاموا على ذلك خمسمائة واثنتي عشرة سنة، ثم بطل حكم ذلك.
الطبقة الثالثة: الإشغانية:
يقال لك منهم اشغا، وأول من ملك منهم بعد ملوك الطوائف اشغا بن اشغان. ثم ملك بعده ابنه سأبور بن اشغان عشر سنين. ثم ملك بعده بسين بن اشغا ستين سنة. ثم ملك بعده جور بن اشغان عشر سنين. ثم ملك بعده بيرن الاشغاني إحدى وعشرين سنة ومات. فملك بعده جوذرز الاشغاني تسع عشرة سنة ومات. فملك بعده نرسي الاشغاني أربعين سنة ومات. فملك بعده هرمز الاشغاني تسع عشرة سنة ومات. فملك بعده اردوان الاشغاني اثنتي عشرة سنة ومات. فملك بعده خسرو الاشغاني أربعين سنة ومات. فملك بعده بلاش الاشغاني أربعاً وعشرين سنة ومات. فملك بعده اردوان الأصغر وهو آخر ملوكهم من هذه الطبقة.
الطبقة الرابعة: الأكاسرة:
وأول من ملك منهم أردشير بن بابك من عقب ساسان بن أردشير بهمن قتل اردوان واستولى على ملكه، فأقام أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وكتب عهداً بالملك في عقبه ومات. فملك بعده ابنه سأبور إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر، وفي أيامه ظهر ماني الزنديق وادعى النبوة، واعتنى بنقل كتب الفلسفة من اللغة اليونانية إلى اللغة الفارسية، ويقال إن العود الذي يتغنى به حدث في أيامه ومات. فملك بعده ابنه هرمز سنة واحدة وستة أشهر ومات. فملك بعده ابنه بهرام ثلاث سنين وثلاثة أشهر ومات؛ فملك بعده ابنه بهرام بن بهرام سبع عشرة سنة ومات. فملك بعده ابنه بهرام بن بهرام بن بهرام أربع سنين ثم مات. فملك بعده أخوه نرسي بن بهرام تسع سنين ثم مات. وملك بعده ابنه هرمز تسع سنين أيضاً ومات. فملك بعده ابنه سأبور وهو الذي عمل الجسر الثاني لدجلة ليكون أحد الجسرين للذاهبين، والآخر للآئبين. وفي زمنه كان قسطنطين ملك الروم ومات. فملك بعده أخوه أردشير بوصية منه، ثم مات. فملك بعده ابنه سأبور بن سأبور ثم ملك بعده أخوه بهرام بن سأبور ثم ملك بعده ابنه يزدجر المعروف بالأثيم؛ ثم ملك بعده كسرى من ولد أردشير ثم ملك بعده بهرام جور بن يزدج الأثيم وكانت مدة ملكه ثلاثاً وعشرين سنة ومات. فملك بعده ابنه يزدجر ثمانياً وعشرين سنة ومات. فملك بعده ابنه هرمز ثم مات. فملك بعده أخوه فيروز سبعاً وعشرين سنة، وظهر في أيامه غلاء شديد. ثم ملك بعده ابنه بلاش أربع سنين ومات. فملك بعده أخوه قباذ ثلاثاً وأربعين سنة وفي أيامه ظهر مزدك الزنديق وادعى النبوة ثم خلع. وملك بعده أخوه جاماسف ثم تغلب عليه قباذ واستمر في الملك ثم مات. وملك بعده أنوشروان ثمانياً وأربعين سنة، وقتل مزدك الزنديق وأتباعه وجماعةً من المانوية، وغلب على اليمن وانتزعها من الحبشة. وفي زمانه ولد عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم ثم ولد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه؛ ثم مات. وملك بعده ابنه هرمز نحو ثلاث عشرة سنة ونصف. ثم ملك أبرويز بن هرمز؛ ثم غلبه على الملك بهرام جوبين من غير أهل بيت الملك؛ ثم عاد أبرويز إلى الملك وملك ثمانياً وثلاثين سنة، وتزوج شيرين المغنية وبنى لها القصر المعروف بقصر شيرين. ثم ملك بعده ابنه شيرويه تغلباً على أبيه ثمانية أشهر. ثم ملك بعده ابنه أردشير سنة وستة أشهر. ثم ملك بعده شهريران من غير بيت الملك ثم قتل. وملك بعده بوران بنت أبرويز سنة وأربعة أشهر. ثم ملك بعدها خشنشده من بني عم أبرويز أقل من شهر. ثم ملك بعده أزرميدخت بنت أبرويز أخت بوران. ثم قتلت؛ وملك بعدها كسرى بن مهر خشنش؛ ثم قتلوه بعد أيام؛ ثم ملك بعده فرخ زادخسرو من أولاد أنو شروان وملك ستة أشهر وقتلوه؛ ثم ملك يزدجرد وهو آخرهم.
الضرب الثاني: ملوكها بعد الإسلام:
وهم على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: عمال الخلفاء:
قد تقدم أن فتحها كان في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتوالت عليها عمال الخلفاء في بقية خلافة عمر، ثم في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومقامهما يومئذ بالمدينة النبوية؛ ثم لما بويع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اله عنه بالخلافة بعد قتل عثمان، جعل إقامته بالعراق، ثم كان بعده ابنه الحسن السبط رضي الله عنه، فأقام بالعراق إلى أن سلم الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان فصارت الخلافة إلى بني أمية، وجعلوا دار إقامتهم بالشام وتوالت على هذه المملكة نوابهم في خلافة معاوية؛ ثم ابنه يزيد؛ ثم ابنه معاوية بن يزيد؛ ثم مروان بن الحكم؛ ثم عبد الملك بن مروان؛ ثم الوليد بن عبد الملك؛ ثم سليمان بن عبد الملك؛ ثم عمر بن عبد العزيز؛ ثم يزيد بن عبد الملك؛ ثم هشام بن عبد الملك؛ ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك؛ ثم يزيد بن الوليد بن عبد الملك؛ ثم إبراهيم بن الوليد؛ ثم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وهو آخرهم.
الطبقة الثانية: خلفاء بني العباس:
وقد تقدم في أول هذه المقالة أن دار مقامهم كانت بالعراق، وأن أول من ولي منهم الخلافة أبو العباس السفاح، فبنى المدينة الهاشمية ونزلها، ثم انتقل منها إلى الأنبار فكانت دار مقامه إلى أن مات؛ ثم كان بعده أخوه أبو جعفر المنصور فبنى بغداد وسكنها؛ ثم سكنها بعده ابنه المهدي بن المنصور؛ ثم ابنه الهادي؛ ثم أخوه هارون الرشيد بن المهدي؛ ثم ابنه الأمين؛ ثم أخوه المأمون؛ ثم أخوه المعتصم بن الرشيد؛ ثم الواثق بن المعتصم، ثم أخوه المتوكل؛ ثم ابنه المنتصر؛ ثم المستعين بن المعتصم؛ ثم المعتز بن المتوكل؛ ثم المهتدي بن الواثق؛ ثم المعتمد بن المتوكل؛ ثم المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل؛ ثم ابنه المكتفي بن المعتضد؛ ثم أخوه المقتدر؛ ثم المرتضي بن المعتز؛ ثم أخوه القاهر؛ ثم المقتدر المقدم ذكره؛ ثم أخوه القاهر المقدم ذكره؛ ثم ابن أخيه الراضي؛ ثم أخوه المتقي؛ ثم ابن عمه المستكفي؛ ثم ابن عمه المطيع؛ ثم ابنه الطائع؛ ثم القادر؛ ثم ابنه القائم ثم ابنه المقتدي؛ ثم ابنه المستظهر ثم ابنه المسترشد؛ ثم ابنه الراشد؛ ثم المقتفي بن المستظهر؛ ثم ابنه المستنجد؛ ثم ابنه المستضيء؛ ثم ابنه الناصر؛ ثم ابنه الظاهر؛ ثم ابنه المستنصر؛ ثم ابنه المستعصم وقتله هولاكو ملك التتار الآتي ذكره في العشرين من المحرم سنة ست وخمسين وستمائة، وهو آخرهم ببغداد.
واعلم أن أمر الخلافة كان قد وهى وضعف، وتناهت في الضعف أيام الراضي، وتغلب عمال الأطراف عليها، فاستولى محمد بن رائق من الفرات على البصرة، والبريدي على خراسان، وعماد الدولة بن بويه على فارس، ومحمد بن الياس على كرمان، وركن الدولة بن بويه على الري وأصفهان، وبنو حمدان على الموصل وديار بكر وديار مضر وديار ربيعة، وغير أقطار هذه المملكة مع ملوك أخر. ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها؛ واستولى ابن رائق على جميع الأمور وخطب باسمه على المنابر، وأقام سنة وعشرة اشهر، ثم صار الأمر بعده إلى يحكم مملوك وزير ما كان بن كاكي الديلمي واستمر أيام الراضي فقتل؛ واستقر البريدي بعده في أيام المتقي وأيام المستكفي، وضربت ألقابه على الدنانير والدراهم، وخطب باسمه على المنابر، واستمر ذلك لذويه من بعده؛ ثم ملك بعده بختيار؛ ثم ابن عمه عضد الدولة بن ركن الدولة حسن بن بويه؛ ثم ابنه صمصام الدولة بن عضد الدولة، ثم أخوه شرف الدولة شيرزبك بن عضد الدولة؛ ثم أخوه بهاء الدولة أبو نصر بن عضد الدولة؛ ثم ابنه سلطان الدولة أبو شجاع؛ ثم ابنه بهاء الدولة؛ ثم أخوه مشرف الدولة بن بهاء الدولة؛ ثم أخوه جلال الدولة أبو الطاهر بن بهاء الدولة؛ ثم ابن أخيه أبو كاليجار بن سلطان الدولة ابن بهاء الدولة؛ ثم ابنه الملك الرحيم خسرو فيروز بن كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه. وبنو بويه هؤلاء ينتسبون إلى يزدجرد ملك الفرس.
ثم كانت دولة السلجوقية. وهي من أعظم الدول الإسلامية، ونسبتهم إلى سلجوق بن دقاق أحد مقدمي الأتراك، وبهم زالت دولة بني بويه عن بغداد وأعمال الخلافة.
وأول من ملك منهم طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة؛ ثم ملك بعده ابن أخيه ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل؛ ثم ابنه ملكشاه بن ألب أرسلان؛ ثم ابنه محمود بن ملكشاه؛ ثم أخوه بركيارق بن ملكشاه؛ ثم أخوه محمد بن ملكشاه؛ ثم ابنه محمود بن محمد؛ ثم ابنه داود بن محمود؛ ثم عمه طغرلبك بن محمد؛ ثم أخوه مسعود بن محمد؛ ثم ابن أخيه ملكشاه بن محمود؛ ثم أخوه محمد بن محمود. ثم قام منهم ثلاثة: وهم ملكشاه بن محمود أخو محمد المذكور؛ وسليمان شاه بن محمد بن ملكشاه، وهو عم محمد المذكور؛ وأرسلان شاه بن طغرلبك بن محمد بن ملكشاه. ثم قبض على سليمان شاه، ومات ملكشاه، وانفرد أرسلان شاه بن طغرلبك بالسلطنة. ثم ملك بعده ابنه طغرلبك بن أرسلان شاه وبقي حتى قتله علاء الدين تكش صاحب خوارزم وبعض خراسان والري وغيرهما، في خلافة الناصر لدين الله في سنة تسعين وخمسمائة، واشتغل خوارزم شاه عن فصل العراق فبقي بيد الخلفاء من لدن الناصر لدين الله، ومن بعده إلى أن انقرضوا بفعلة هولاكو ملك التتر الآتي ذكره.
الطبقة الثالثة: ملوكها من بني جنكزخان:
وأول من ملكها منهم هولاكو بن طولي بن جنكزخان المقدم ذكره، قصدها بأمر أخيه منكوقان بن طولي صاحب التخت في سنة خمسين وستمائة، وقتل المستعصم آخر الخلفاء ببغداد، واستولى على جميع المملكة. قال في مسالك الأبصار: قال شيخنا العلامة شمس الدين الأصفهاني: إلا أن هولاكو لم يملك ملكاً مستقلاً بل كان نائباً عن أخيه منكوقان، ولم يضرب باسمه سكة درهم ولا دينار، وإنما كانت تضرب باسم أخيه منكوقان. قال: وكان يكون لصاحب التخت أميرٌ لا يزال مقيماً في مملكة إيران مع هولاكو، ومات في تاسع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وستمائة؛ وملك بعده ابنه أبغا. قال الشيخ شمس الدين الأصفهاني: ولما ملك أضاف اسمه في السكة إلى اسم صاحب التخت، وكان قد وجه أخاه منكوتمر إلى الشام والتقى معالجيوش الإسلامية على حمص، وانكسر إليها؛ ومات سنة إحدى وثمانين وستمائة؛ وملك بعده أخوه بوكدار بن هولاكو وأسلم وحسن إسلامه وتلقب أحمد سلطان، وحمل العسكر على الإسلام فقتلوه؛ وملك بعده ابن أخيه أرغون بن أبغا بن هولاكو في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وستمائة، وتوفي في ربيع الأول سنة تسعين وستمائة؛ وملك بعده أخوه كيختو فخرج عن الياسة وأفحش في الفسق بنساء المغل وأبنائهم، فوثب عليه بنو عمه فقتلوه في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وستمائة؛ وملك بعده بيدو بن طرغاي بن هولاكو، وبقي حتى قتل في ذي الحجة من السنة المذكورة؛ وملك بعده محمود غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، ودخل إلى الشام، وكان بينه وبين الملك الناصر محمد بن قلاوون وقعات بحمص وغيرها آخرها على شقحب، كسر فيها كسرة فاحشة، هلك فيها معظم عسكره في سنة اثنتين وسبعمائة، وبقي حتى توفي في ثالث عشر شوال سنة ثلاث وسبعمائة؛ وملك بعده أخوه خدابندا والعامة تقول خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو في الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة ثلاث وسبعمائة؛ ثم ملك بعده أبو سعيد بن خدابندا وهو آخر من ملك من بني هولاكو، وكان بينه وبين الناصر محمد بن قلاوون مكاتبات ومراسلات وتودد بعد وحشة، وبموته تفرقت المملكة بأيدي أقوام، وصارت شبيهة بملوك الطوائف من الفرس.
قال في مسالك الأبصار بعد ذكر أبي سعيد: ثم هم بعده في دهماء مظلمه، وعمياء مقتمه؛ لا يفضي ليلهم إلى صباح، ولا فرقتهم إلى اجتماع، ولا فسادهم إلى صلاح؛ في كل ناحية هاتف، يدعى باسمه، وخائف، أخذ جانباً إلى قسمه؛ وكل طائفة تتغلب وتقيم قائماً تقول هو من أبناء القان، وتنسبه إلى فلان؛ ثم يضمحل أمره عن قريب، ولا تلحق دعوته حتى يدعى فلا يجيب، وما ذلك من الدهر بعجيب. وذكر نحوه في التعريف وزاد عليه فقال: وكان العهد بهذه المملكة لرجل واحد وسلطان فرد مطاع، وعلى هذا مضت الأيام إلى حين وفاة أبي سعيد، فصاح في جنباتها كل ناعق وقطع رداءها كل جاذب، وتفرد كل متغلب منها بجانب؛ فهي الآن نهبى بأيديهم.
فأما عراق العرب وهو بغداد وبلادها وما يليها من ديار بكر، وربيعة ومضر، فبيد الشيخ حسن الكبير، وهو الحسن بن الحسين بن أقبغا من طائفة النورانيين، كان جده نوكراً لهولاكو بن طولي بن جنكزخان، والنوكر هو الرفيق.
وأما بقية ديار بكر، فبيد إبراهيم شاه بن بارنباي بن سوناي.
وأما مملكة أذربجان وهي قطب مملكة إيران، ومقر كرسي ملوكها من بني جنكزخان؛ فهي الآن بيد أولاد جوبان، وبها القان القائم بها سليمان شاه.
قال: ولا أعرف صحة نسبه ولا سياقته بالدعوى.
وأما خراسان، فبيد القان طغيتمريار. وهو صحيح النسب، غير أني لم أعرف اسم آبائه.
وأما بلاد الروم، فقد أضيفت إلى إيران منها قطعةٌ صالحة، وبلاد نازحة، ثم قال: وهي الآن بيد أرتنا، وقد نبه على ذلك ليعرف.
قلت: ثم تغيرت الأحوال عن ذلك.
الجملة السادسة في معاملاتها وأسعارها:
أما معاملاتها فالمعتبر فيها معاملة ثلاث قواعد: الأولى بغداد. قد ذكر في مسالك الأبصار: أن ببغداد دينارين.
أحدهما يسمى العوال، عنه اثنا عشر درهماً، الدرهم بقيراط وحبتين. وذلك أن الدينار عشرون قيراطاً، كل قيراط ثلاث حبات، كل حبة أربعة فلوس من الدرهم النقرة، عن كل فلسٍ فلسان أحمران. والثاني الدينار المرسل، عنه عشرة دراهم، وبه أكثر مبايعاتهم ومعاملات تجارهم. وقد اختلف أصحابنا الشافعية في رطل بغداد، فذهب الرافعي إلى أنه مائة وثلاثون درهماً وهو الموجود فيها الآن، وعليه اقتصر في مسالك الأبصار. وذهب الشيخ محيي الدين النووي إلى أنه مائة وسبعة وعشرون درهماً ولأربعة أسباع درهم؛ والمن بها رطلان بالتوراني.
ومكاييلها أكبرها الكر، وهو ثلاثون كارة، كل كارة قفيزان، فيكون الكر ستين قفيزاً، والقفيز مكوكان كل مكوك خمس عشر اق. وتختلف الكارة في الغلال، فالقمح كارته مائتان وأربعون رطلاً، وكارة الأرز ثلثمائة رطل، وكارة كل من الشعير والحمص والعدس والهرطمان مائة رطل، وكارة الحبة السوداء، وهي الشونيز مائة رطل.
الثانية توريز قاعدة أذربيجان وسائر المملكة غير بغداد وخراسان. فمعاملاتها بدينار يسمى عندهم بالرابح، عنه ستة دراهم.
الثالثة نيسأبور قاعدة خراسان. فدينارها أربعة دراهم، وفي بعضها الدينار الرابح المقدم ذكره. قال في مسالك الأبصار: ولا يباع بتوريز وبلادها في الغالب قمحٌ ولا شعير ونحوهما إلا بالميزان، وليس لهم إلا المن، وهو بتوريز رطلان بالبغدادي، فتكون زنته مائتين وستين درهماً، وبالسلطانية المن ستمائة درهم.
وأما أسعارها فنقل في مسالك الأبصار عن يحيى بن الحكيم الطياري في السعر ببغداد: أن كر القمح بتسعة وثلاثين ديناراً ونصف دينار، والشعير بخمسة عشر ديناراً، كلاهما من العوال. ثم قال: ولعل هذا هو السعر المتوسط، لا يكاد يميل فيه القانون عن معدله. وذكر أن الأسعار بتبريز والسلطانية إذا لم ينزل عليها السلطان، فأسعارها رخية لا إلى غاية، وكل بلد نزل عليه السلطان غلت أسعاره، ولعل هذا قد تغير كلها في زماننا كما تغير غيره من الأحوال.
الجملة السابعة في ترتيب هذه المملكة على ما كانت عليه في زمن بني هولاكو:
آخر أيام أبي سعيد: من الأمراء والوزراء وأرباب الوظائف أما الأمراء. فقد ذكر في مسالك الأبصار أنهم عندهم على أربع طبقات أعلاها النوين، وهو أمير عشرة آلاف، ويعبر عنه بأمير تومان، إذ التومان عندهم عبارة عن عشرة آلاف، ثم أمير ألف، ثم أمير مائة، ثم أمير عشرة. قال في التعريف: وحكام دولة هذا السلطان أمراء الألوس، وهم أربعة، أكبرهم بكلاري بك: وهو أمير الأمراء، كما كان قطلوشاه عند غازان، وجوبان عند خدابندا، ثم عند أبي سعيد. قال: وهؤلاء الأمراء الأربعة لا يفصل جليل أمر إلا بهم، فمن غاب منهم كتب في اليرالغ: وهي المراسيم كما يكتب لو كان حاضراً، ونائبه يقوم عنه، وهم لا يمضون أمراً إلا بالوزير، والوزير يمضي الأمور دونهم ويأمر نوابهم فتكتب أسماءهم، والوزير هم حقيقة السلطان، وهو المنفرد بالحديث في المال، والولاية، والعزل، حتى في جلائل الأمور كما كان بكلاري بك يتحدث في أمر العسكر بمفرده. فأما الاشتراك في أمور الناس فبهم أجمعين، وليس للأمراء في غالب ذلك من العلم إلا ما علم نوابهم.
قال في مسالك الأبصار نقلاً عن نظام الدين بن الحكيم الطياري: وأمر الجيوش والعساكر إلى كبير أمراء الألوس المسمى بكلاري بك، كما كان قطلوشاه مع السلطانين محمود غازان وأخيه محمد خدابندا، وجوبان مع خدابندا، ثم بعده مع ولده السلطان أبي سعيد بهادرخان، والشيخ حسن بن حسين بن اقبغا مع خانه السلطان محمد بن طشتمر بن اشنتمر بن غبرجي، وإليه يقطع أمر كل ذي سيف.
قال: وأمر متحصلات البلاد ودخلها وخرجها إلى الوزير، وإليه يقطع أمر كل ذي قلم ومنصب شرعي، وله التصرف المطلق في الولاية والعزل والعطاء والمنع، لا يشاور السلطان إلا فيما جل من المهمات وما قل من الأمور، وهو السلطان حقيقةً وصاحب البلاد معنى؛ وإليه ترجع الأمور كلها، وإليه عقدها وحلها. أما السلاطين بها فلا التفات لهم لأنر ولا نهي ولا نظر في متحصل ولا دخل ولا خرج. قال: وعدة جيشهم المنزلة في دواوينهم لا تبلغ عشرين توماناً. أما إذا أرادوا فإنهم يركبون بثلاثين توماناً وما يزيد عليها، وعامة العسكر لا تزال أسماؤهم في دواوينهم على الإفراد، وكل طائفة منهم عليهم في الديوان فارس معين، إذا رسم لهم بالركوب ركب العدة المطلوبة. قال: وقد ذكر أنه كان في هذه المملكة عدة ملوك كصاحب هراة، وحلول الجبل هم كالعبيد لقانها الأكبر منقادون إليه وداخلون تحت طاعته.
وأما القضاة فعادة هذه المملكة أن يكون بها في صحبة السلطان قاضي قضاة الممالك، وهو الذي يولي القضاة في جميع المملكة على تنائي أقطارها إلا العراق، فإن لبغداد قاضي قضاء مستقل بها يولي فيها وفي بلادها من جميع عراق العرب.
وأما الكتاب وأصحاب الدواوين: من ديوان الإنشاء ودواوين الأموال، فعلى أتم نظام وأعدل قاعدة.
الجملة الثامنة فيما لأرباب المناصب والجند من الرزق على السلطان:
قد نقل في مسالك الأبصار عن نظام الدين الطياري: أن المقرر للأمراء في القديم من زمن هولاكو لكل نوين أميرٍ تومانٌ: وهو عشرة آلاف دينار رابح، عنها ستون ألف درهم، ثم تزايد الحال بهم حتى لا يقنع النوين فيهم إلا بخمسي نألف تومان، وهي خمسمائة ألف دينار رابح، عنها ثلاثة آلاف ألف درهم، ومن خمسين توماناً إلى أربعين توماناً. وكان قد استقر لجوبان، وهو يومئذ بكلاري بك ثم لمن بعده ثلثمائة تومان، وهي ثلاثة آلاف ألف دينار رابح، عنها ثمانية عشر ألف ألف درهم مع ما يحصل لكل من أمراء الألوس الأربعة من الخدم الكثيرة في البلاد جميعها عند تقريرات الضمان بها على ضمانها. قال: وأما أمير ألف ومن دونه، فلا تجاوز أحد منهم تقريره القديم في الديوان: وهو لأمير الألف ألف دينار رابح، عنها ستة آلاف درهم. وأما أمير المائة وأمير العشرة وكل واحد من العسكر إلى الجند فمائة دينار رابح، عنها ستمائة درهم لا تفاوت بينهم، وإنما تبقى مزية أمير المائة أو العشرة أنه يأخذ لنفسه شيئاً مما هو للعسكرية، ولكل طائفة أرض لنزولهم، توارثها الخلف عن السلف منذ ملك هولاكو البلاد، فيها منازلهم، ولهم بها مزدرع لأقواتهم، لكنهم لا يعيشون بالحرث والزرع.
وأما الخواتين فإنه يبلغ ما للخاتون الواحدة في السنة مائتي تومان، وهو ألف ألف دينار رابح، عنها اثنا عشر ألف ألف درهم، وما دون ذلك إلى عشرين توماناً، وهو مائتا ألف دينار. عنها ألف ألفا ومائتا ألف درهم.
وأما الوزير فله وخمسون توماناً، وهو ألف ألف وخمسمائة ألف دينار رابح، عنها تسعة آلاف ألف درهم، ولا يقنع بعشرة أضعاف هذا في تقادير البلاد.
وأما الخواجكية من أرباب الأقلام، فمنهم من يبلغ في السنة ثلاثين توماناً، وهي ثلثمائة ألف دينار، عنها ألف ألف وثمانمائة ألف درهم. ثم قال: والذي للأمراء والعسكرية لا يكتب به مرسوم، لأن كل طائفة ورثت مالها من ذلك عن آبائها، وهم على الجهات التي قررها لهم هولاكو لم تتغير بزيادة ولا نقص، إلا أكابر الأمراء الذين حصلت لهم الزيادات فإنه في ذلكالوقت كتب لهم بها بأمر القان أصدرها الوزراء عنه، ومن الخواتين من أخذ بماله أو ببعضه بلاداً فهي له.
قال: وفي هذه المملكة ما لا يحصى من الإدرارات والرسومات حتى إن بعض الرواتب يبلغ ألف دينار.
وأما الإدرارات من المبلغ أو القرى، فإنها تبقى لصاحبها كالملك يتصرف فيه كيف شاء من بيعٍ وهبةٍ ووقفٍ لمن أراد.
الجملة التاسعة في ترتيب أمور السلطان بهذه المملكة على ما كان الأمر عليه:
حكى في مسالك الأبصار عن نظام الدين بن الحكيم الطياري أن أهل هذه المملكة من التتر كانوا قد داخلوا العجم وزوجوهم وتزوجوا منهم، وخلطوهم بالنفوس في الأمور، فتفخمت قواعدهم، وجرت على عوائد الخلفاء والملوك في غالب الأمور قوانينهم.
ثم للسلطان بهذه المملكة مشتىً ومصيف: فأما مشتاه فبأوجان بظاهر تبريز، وهو مكان متسع ذو مروج ومياه على ما تقدم ذكره، وبه قصور لأكابر الأمراء والخواتين. أما عامة الأمراء والخواتين، فإنهم يتخذون زروباً من القصب كالحظائر يتزربون بها، وينصبون معها الخركاوات والخيام، فتصير مدينة متسعة الجوانب، فسيحة الأرجاء، حتى إذا خرجوا لمصيفهم راحلين عنها، أحرقوا تلك الحظائر لكثرة ما يتولد فيما بقي منها من الأفاعي والحيات، سولا يبالون بما يغرم عليها من كثير الأموال.
أما مصيفه فمكان يعرف بقراباغ، ومعناه البستان الأسود، وفيه قرىٍ متعددة، وهو صحيح الهواء، طيب الماء، كثير المرعى، وإذا نزل به الأردو، وهو وطاق السلطان وأخذت الأمراء والخواتين منزلهم، نصب هناك مساجد جامعة، وأسواق منوعة، يوجد بها من كل ما في أمهات المدن الكبار حتى يكون بها أسواق لا ينكر أحد على أحد، بل كل أحد وما استحسن، إلا أن الأسعار تغلو حتى يصير الشيء بقيمة مثليه أو أكثر لكلفة الحمل ومشقة السفر، وذكر أنه كان من عادة سلطانهم أنه لا يعمل موكباً، ولا يجلس لخدمة ولا لقراءة قصص حكمية وإبلاغ مظالم إليه، بل له من أبناء الأمراء خاصةٌ له يقال لهم الإينافية، سيكونون حوله لا يكاد منهم من يفارقه.
فأما الأمراء فإنهم يركبون في غالب الأيام على نحو عشرين غلوة سهم منها إلى باب الكرباس، وتنصب لهم هناك كراسي صندلية، يجلس كل أمير منها على كرسي منها بحسب مراتبهم: الأعلى ثم الأدنى، ويدخل الوزير في بكرة كل يوم على القان، ويبقى الأمراء على باب الكرباس، فإما أن يخرج لهم القان، وإما أن يأذن لهم في الدخول، أو لا هذا ولا هذا. فإذا حضر طعام القان بعث إلى كل أمير منهم شيئاً للأكل بمفرده يأكله هو ومن انضم معه، فيأكلون ثم يتفرقون ويذهبون إلى حالهم، ومن تأخر منهم عن الحضور لم يطلب بحضور إلا أن تدعو الحاجة.
أما الظلامات فإن كانت متعلقة بالعسكرية؛ فإلى أمير الألوس. وإن كانت متعلقة بالبلاد والأموال أو الرعايا، فإلى الوزير، بل أكثر الظلامات لا يفصلها إلا الوزير لملازمته القان، بخلاف أمير الألوس لقلة ملازمته، ثم قال: وليس في هذه البلاد قاعدة محفوظة، بل كان من انضوى إلى خاتون من الخواتين أو أمير من الأمراء أو كبير من الخواجكية، قام بأمره إما في قضاء حاجة يطلبها. أو إزالة ظلامة يشكوها. حتى إن من الخواتين والأمراء من يقتل ويوسط بيده بغير أمر القان ولا أمير الألوس.
الجملة العاشرة فيما يتعلق بترتيب ديوان الإنشاء بهذه المملكة:
أما اليرالغ: وهي المراسيم، فالمتعلق بالأموال تسمى الطن طمغا ويكون صدورها عن رأي الوزير، وكذلك المتعلق بالبريد. والمتعلق بالعسكرية صادر عن أمير الألوس. وليس لأحد على الجميع خط إلا الوزير، وإنما العادة أن يأمر الوزير بكتابة ما يرى، ثم تؤخذ خطوط المتحدثين فيما يكتب، ثم تحرر مسودة وتعرض على الوزير فيأمر بتبييضها، فإذا بيضت كتب عليها اسم السلطان، ثم تحته اسم الأمراء الأربعة. ويخلى تحته مكان لخط الوزير، ثم يكمل اليرلغ ويختمه بالتاريخ شخص معد لذلك غير من يكتب ثم يكتب الوزير في المكان الخالي فلان شوري أي هذا كلام فلان يسمي نفسه.
ثم إن كان متعلقاً بالمال أثبت بالديوان المتعلق به، وإلا فلا. فأما المتعلق بالعسكر، فمنشأ الأمر فيه عن أمير الألوس يأمرهم على بقية الترتيب، ولا خط لأمير الألوس بيده. وعادة أصحاب الدواوين عندهم كما هو بمصر والشام لا يعلم صاحب علامة حتى يرى خط نائبه عليه أولاً ليعلم أنه قد ثبت عنده.
قلت: وقد اختلفت الأحوال بعد ذلك وتغيرت عما كانت عليه في جل الأمور.
المملكة الثانية مما بيد بني جنكزخان: مملكة توران:
قال في المشترك: بضم المثناة من فوق وسكون الواو ثم راء مهملة وألف ونون. قال في التعريف: وهي من نهر بلخ إلى مطلع الشمس على سمت الوسط، فما أخذ عنها جنوباً كان بلاد السند ثم الهند، وما أخذ عنها شمالاً كان بلاد الخفجاخ، وهي طائفة القبجاق، وبلاد الصقلب، والجهاركس، والروس، والماجار، وما جاورهم من طوائف الأمم المختلفة سكان الشمال.
قال: ويدخل في توران ممالك كثيرة، وبلاد واسعة، وأعمال شاسعة، وأمم مختلفة لا تكاد تحصى، تشتمل على بلاد غزنة، والباميان، والغور، وما وراء النهر الذي هو نهر جيحون، نحو بخارا وسمرقند والصغد وخجند وغير ذلك، وبلاد تركستان وأشروسنة وفرغانة، وبلاد ساغون وأطرار وصريوم، وبلاد الخطا نحو بشمالق والمالق إلى قراقوم، وهي قرية جنكزخان التي أخرجته، وعريسته التي أدرجته. إلى ما وراء ذلك من بلاد الصين وصين الصين. ثم قال: وكل هذه ممالك جليلة، وأعمال حفيلة. أما في المشترك، فإنه قد جعل توران اسماً لمجموع ما وراء النهر من مملكة الهياطلة وهي جزء مما تقدم ذكره.
وقد قسم في التعريف مملكة توران إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول منها غزنة وبخارا وسمرقند وعامة ما وراء النهر وتركستان:
قال في مسالك الأبصار: وما بعده وما معه قال: وهي من أجل الممالك وأشهرها. ثم قال: وهي ممالك طائرة السمعة، طائلة البقعة، أسرة ملوك، وأفق علماء، ودارة أكابر، ومعقد ألويةٍ وبنود، ومجرى سوابق وجنود؛ كانت بها سلطنة الخانية وآل سامان وبني سبكتكين والغورية، ومن أفقها بزغت شمس آل سلجوق، وامتدت في الإشراق والشروق، وغير هذه الدول مما طم سهول هذه الممالك على قربها. كانت قبل انتقالها إلى الإسلام، في ملوك الترك لا ترامى ولا ترام، ولا يشق لها سهام؛ حتى إذا خيم بها الإسلام وحاز ملكها هذه الأمة، برقت بالإيمان أسرتها، وتطرزت بالجوامع والمساجد قراها؛ ثم بنيت بها المدارس والخوانق والربط والزوايا، وأجريت الأوقاف عليها، وكثر من العلماء أهلها، وسارت لها التصانيف المشهورة في الفقه والحديث والأصول والخلاف، وكان فيهم الرؤساء والأعلام، والكبراء أهل البحث والنظر. ثم قال: هي في أواسط المعمور وأوسع الأرض إذا قيل أنها أخصب بلاد الله تعالى وأكثرها ماء ومرعى، لم يغير القائل الحق في أوصافها، ذات الأنهار السارحة، والمروج الممتدة، كأنما نشرت الحلل على آفاقها، ونثرت الحلى على حصبائها.
الجملة الأولى في ذكرحدودها وطولها وعرضها وموقعها من الأقاليم السبعة:
أما حدودها وطولها وعرضها، فقال في مسالك الأبصار: وهي واقعة بشرق محضٍ آخذة إلى الجنوب؛ يحدها السند من جنوبيها، والصين من شرقيها، وخوارزم وإيران من جنوبيها، وطولها من ماء السند إلى ماء ايلا المسمى قراخوجا، وهي تلي بر الخطا، وعرضها من ونج وهو منبع نهر جيحون إلى حدود كركانج قاعدة خوارزم، وحدها من الجنوب جبال البتم وماء السند الفاصل بينها وبين السند، ومن الشرق أوائل بلاد الخطا، ومن الشمال مراعي باران وكجند وبعض خراسان إلى بحيرة خوارزم، ومن الغرب بعض خراسان إلى خوارزم إلى مجرى النهر آخذاً على الختل، ثم حكى عن نظام الدين بن الحكيم الطياري أن بلاد هذه المملكة متصلة بخراسان متداخلة بعضها ببعض، ولا يفصل بينهما بحر ولا نهر ولا جبل ولا مفازة، بل بينها وبين خراسان أنهار جارية ومزارع متصلة.
الجملة الثانية فيما يدخل في هذه المملكة من الأقاليم العرفية:
وهي أربعة أقاليم:
الإقليم الأول منها ما وراء النهر:
قال في تقويم البلدان: والذي ظهر لنا في تحديد ما وراء النهر أنه يحيط به من جهة الغرب حدود خوارزم، ومن الجنوب نهر جيحون من لدن بذخشان إلى أن يتصل بحدود خوارزم، فإن جيحون في الجملة يجري من الشرق إلى الغرب، وإن كان يعرض فيه عطفات تجري جنوباً مرة وشمالاً أخرى. ثم قال: أما حدوده من الشرق والشمال فلن تتضح لي. قال صاحب كتاب أشكال الأرض: وما وراء النهر من أخصب الأقاليم منزلة، وأنزههها وأكثرها خيراً، وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير، واستجابة لمن دعاهم، مع قلة غائلة، وسلامة ناحية، وسماحة بما ملكت أيديهم؛ مع شدة شوكة ومنعةٍ وبأسٍ ونجدةٍ وعدة وعدة وآلة وكراع وبسالة وعلم وصلاح؛ وليس من إقليم إلا ويقحط أهله مراراً قبل أن يقحط ما وراء النهر مرةً واحدة، ثم إن أحسوا ببرد أو بجراد أو بآفة تأتي على زروعهم وغلاتهم، ففي فضل ما يسلم في عروض بلادهم ما يقوم بأودهم حتى يستغنوا به عن شيء ينقل إليهم من غير بلدهم، قال: وليس بما وراء النهر مكان يخلو من مدن أو قرىً أو مراعٍ لسوائمهم؛ وليس من شيء لا بد للناس منه إلا وعندهم منه ما يقيم أودهم ويفضل عنهم لغيرهم؛ ومياههم أعذب المياه وأبردها وأخفها، وقد عمت جبالها وضواحيها ومدنها إلى التمكن من الجد في جميع أقطارها، والثلوج من جميع نواحيها، والغالب على أهل المال والثروة بها صرف المال في عمل المدارس وبناء الربط وعمارة الطرق، والأوقاف على سبل الجهاد ووجوه الخير، وعقد القناطر، إلا القليل من ذوي البطالة.
وفيها من الدواب الخيل والبغال والحمير والإبل البخت والبقر، والغنم أكثرها فإنها كما يقال لأعوزها للزرائب، وفيها من المباح ما فيه كفايتهم، ولهم من نتاج الغنم الكثير والسائمة المفرطة. وذكر أنه يوجد عند آحاد العامة من عشرين دابةً إلى خمسين دابة لا كلفة عليه في اقتنائها لكثرة الماء والمرعى.
وفيها من الحبوب القمح والشعير والحمص والأرز والدخن وسائر الحبوب خلا الباقلا، وبها من الفواكه المنوعة الأجناس العنب، والتين، والرمان والتفاح، والكمثرى، والسفرجل، والخوخ، والمشمش، والتوت والبطيخ الأصفر، والبطيخ الأخضر، والخيار والقئاء.
وفيها منالبقول اللفت والجزر والكرنب والباذنجان، والقرع وسائر أنواع البقول.
وفيها من الرياحين الورد والبنفسج والآس واللينوفر والحبق، ولا يوجد بها الأترج والنارنج والليمون والليم، ولا الموز ولا قصب السكر، ولا القلقاس، ولا الملوخيا، فإنها من ذلك عارية الحدائق، خالية المروج، إلا ما أتي به إليها من المحمضات مجلوباً.
وفيها أصناف الملبوس: من القز والصوف وطرائف البز.
وفيها من المعادن معدن زئبق لا يعادله معدن في الغزارة.
وقد اشتمل ما وراء النهر على عدة كور: منها السغد. قال في اللباب: بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة ودال مهملة في الآخر، ويقال الصغد بالصاد بدل السين، ويضاف إلى سمرقند، فيقال سغد سمرقند، وهو أحد منتزهات الدنيا الأربعة التي هي غوطة دمشق، ونهر الأبلة، وشعب بوان وسغد سمرقند. قال ابن حوقل: وهي أنزه الأربعة لأنه ممتد نحو ثمانية أيام، مشتبك الخضرة والبساتين، لا ينقطع ذلك في موضع منه، وقد حفت تلك البساتين بالأنهار الدائم جريها، ومن وراء الخضرة من الجانبين مزارع، ومن وراء المزارع مراعي السوائم ثم قال: وهي أزكى بلاد الله وأحسنها أشجاراً.
ومنها أسرشنة. قال في اللباب: بضم الألف وسكون السين وضم الراء المهملتين وسكون الواو وفتح الشين المعجمة ثم نون. قال ابن حوقل: والغالب عليها الجبال، ويحيط بها من الشرق بعض فرغانة، ومن الغرب حدود سمرقند، ومن الشمال بعض فرغانة أيضاً، ومن الجنوب بعض حدود كش والصغانيان. قال أحمد الكاتب: ولها عدة مدن، ويقال إن بها أربعمائة حصن.
ومنها فرغانة. قال في المشترك: بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وفتح الغين المعجمة وألف ونون. قال ابن حوقل: وفيها مدن وكور. وإليها ينسب جماعة من العلماء، منهم أبو سعيد الفرغاني شارح تائية ابن الفارض قال ابن حوقل: وبجبال فرغانة معادن الذهب والفضة والفيروزج والحديد.
وقاعدتها بخارا. قال في اللباب: بضم الباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة ثم ألف وراء مهملة مفتوحة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول سبع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة خارجها نزهٌ كثير البساتين. قال: وليس بتلك البلدان بلد أهلها أحسن قياماً على عمارة قراهم منهم. ويحيط بها وبقراها ومزارعها سورٌ واحد اثنا عشر فرسخاً، ولها كورة عظيمة تصاقب جيحون على معبر خراسان وبها يتصل سغد سمرقند. قال في مسالك الأبصار: وهي أم الأقاليم ويم التقاسيم وقد كانت مستقراً للدولة السامانية ومركز أفلاكهم الدائرة، وكانت تلك الممالك كلها تبعاً لها، قال صاحب أشكال الأرض: ثم لم أر ولم أسمع بظاهر بلد أحسن من بخارا، لأنك إذا علوت لم يقع نظرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء، مكبة زرقاء على بساط أخضر، تلوح القصور فيما بين ذلك كالتراس التبنية، أو الجحف اللمطية، أو الكواكب العلوية، بين أراض وضياع مقسومة بالاستواء، ممهدة كوجه المرآة في غاية الهندسة، ولها سبعة أبواب حديد: وهي باب المدينة، وباب يون، وباب خضرة، وباب الحديد، وباب قهندر، وباب بني أسد، وباب بني سعد، وليس فيها ماء جار لارتفاعها، ومياههم من النهر الأعظم الجاري من سمرقند وإليها ينيب الإمام الحافظ أبو عبد الله البخاري صاحب الجامع الصحيح في الحديث.
ولها عدة مدن: منها الطواويس. قال في اللباب: بفتح الطاء المهملة والواو وبعد الألف وار ثانية مكسورة ومثناة تحت ساكنة وسين مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة من مضافات بخارا داخل الحائط الدائر على أعمال بخارا، كثيرة البساتين والماء الجاري. قال: وقد خربت الآن. وقال في اللباب: هي قرية من قرى بخارا خرج منها جماعة من العلماء، وبينها وبين بخارا سبعة فراسخ، وإليها ينسب الطاووسي صاحب المصباح على الحاوي الصغير في فقه الشافعية، رداً لها في النسب إلى المفرد وهو الطاوس.
ومنها نخشب. قال في اللباب: بفتح النون وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم باء موحدة. قال في تقويم البلدان: فلما عربت قيل نسف- يعني بفتح النون والسين المهملة في الآخر. قال ابن حوقل: وهي في مستوٍ من الأرض، والجبال منها على نحو مرحلتين مما يلي كش، وبينها وبين جيحون مفازة، ولها نهر يجري في المدينة وينقطع في بعض السنة، والغالب عليها الخصب. قال المهلبي: وهي وبية.
ومنها كش. قال في المشترك: بفتح الكاف ثم شين معجمة مشددة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول تسع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة قدرها ثلث فرسخ في مثله، وهي خصبةٌ وفواكهها تدرك قبل فواكه غيرها من بلاد ما وراء النهر؛ وطول عملها أربعة أيام في نحوها. قال المهلبي: ولها رستاق جليل، ولها نهران، وإليها ينسب جماعة من العلماء.
ومنها سمرقند. قال في تقويم البلدان: بفتح السين المهملة والميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وسكون النون ثم دال مهملة- وموقعها في الإقليم الخامس. قال في القانون حيث الطول ثمان وثمانون درجة وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجة. قال ابن حوقل: وهي قصبة السغد، وهي مبنية على ضفة واديه، وهي مرتفعة عن الوادي؛ وحول سورها رسم خندق عظيم؛ ولها نهر يدخل إليها على حمالات في الخندق معمول بالرصاص وهو نهر جاهلي يشق السوق بموضع يعرف برأس الطاق. قال ابن حوقل: ورأيت على باب من أبوابها يسمى باب كش صفحةً من حديد وعليها كتيبة يزعم أهلها أنها بالحميرية وأن الباب من بناء تبع ملك اليمن، وأن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ، وأن ذلك مكتوب من أيام تبعٍ. قال: ثم وقعت فتنة بها في أيام مقامي بها وأحرق الباب وذهبت الكتابة. ثم أعاد عمارة الباب محمد بن لقمان بن نصر الساماني ولم يعد الكتابة. قلت: والمراد تبع المسمى بأسعد أبا كربٍ؛ وقد أشرت إلى قضية تبع في بناء سمرقند في الكتاب الذي أنشأته لأن يكتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية إلى تمرلنك عند إرساله بالمفاوضة في الصلح بعد واقعة دمشق والقبض على ابن عثمان صاحب برسا من بلاد الروم بقولي بعد الدعاء: ولا زال بالنصر تقضي قواضبه، وبالظفر وحسن الأثر تمضي مقانبه وتشاع مناقبه، وبلسان دولته القاهرة يصاح بتبع سمرقند لن تبلغ هذه الرتبة حتى نظم الجزع ثاقبه، على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبة القان صاحب ما وراء النهر في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
قال في مسالك الأبصار: وسمرقند مدينة مرتفعة يشرف الناظر بها على شجر أخضر، وقصور تزهر، وأنهار تطرد، وعمارة تتقد، لا يقع الطرف بها على مكان إلا ملأه، ولا بستان إلا استحسنه. قال صاحب أشكال الأرض: وقد نصصت أسحار السير، وتشبهت بطوائف الحيوان: من الفيلة والإبل والبقر والوحوش المقبل بعضها على بعض. قال: وبها حصن ولها أربعة أبواب: باب مما يلي المشرق يعرف بباب الصين، مرتفع عن وجه الأرض ينزل إليه بدرج كثيرة، مطل على وادي السغد، وباب مما يلي المغرب يعرف بباب النوبهار على نشز من الأرض؛ وباب مما يلي الشمال يعرف بباب بخارا، وباب مما يلي الجنوب يعرف بباب كش قال: فيها ما في المدن العظام من الأسواق الحسان والحمامات والخانات والمساكن؛ وبناؤها من طين وخشب؛ والبلد كله، طرقه وسككه وأسواقه وأزقته مفروشة بالحجارة.
ومنها بنكث. قال في اللباب: بكسر الباء الموحدة وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول تسعون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة، ولها سورٌ وربضٌ وبساتين كثيرة.
ومنها نوبكت- بنون وواو وباء موحدة ثم كاف ومثناة من فوق. قال ابن حوقل: وهي قصبة ناحية إيلاق، وعليها سورٌ ولها عدة أبواب، وفيها مياه وبساتين كثيرة.
ومنها خجندة. قال في اللباب: بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ثم دال مهملة- وهي مدينة على طرف سيحون مضمومة إلى فرغانة، واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول تسعون درجة، والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة. قال في اللباب: وهي مدينة كبيرة، وهي في مستوٍ من الأرض، ولها بساتين كثيرة، قال أحمد الكاتب: ومنها إلى سمرقند سبع مراحل، ومنها إلى الشاش كذلك.
ومنها تنكت. قال في اللباب: بضم المثناة من فوق وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها تاء ثانية- وهي مدينة من مدن الساحل، وقيل هي قصبة إيلاق؛ وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول إحدى وتسعون درجة، والعرض ثلاث وأربعون درجة، قال في اللباب: ولها نهر ودار إمارة، وخرج منها جماعة من العلماء.
ومنها أخسيكث. قال في اللباب: بفتح الألف وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة. وهي مدينة من بلاد فرغانة، واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال في الأطوال حيث الطول إحدى وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي على شط نهر الشاش في أرض مستوية بينها وبين الجبال نحو فرسخ.
ومنها ترمذ. قال في اللباب: قيل بفتح التاء ثالثة الحروف وقيل بضمها وقيل بكسرها قال: والمتداول على لسان أهلها فتح التاء وكسر الميم، والمشهور في القديم كسر التاء والميم جميعاً؛ وقيل بضم التاء والميم وبينهما راء ساكنة وفي آخرها ذال معجمة- وهي مدينة على شط جيحون، واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول إحدى وتسعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، قال ابن حوقل: ومعظم مساكنها وأسواقها مفروشة بالآجر، وهي قصبة تلك النواحي، وأقرب الجبال إليها على مرحلة، وليس لقراها شرب من جيحون بل من نهر الصغانيان. قال: ولها مدن كثيرة وكورٌ مضافة إليها. قال في اللباب: وهي مدينة قديمة.
ومنها الصغانيان. قال في اللباب: بفتح الصاد المهملة والغين المعجمة وألف ونون ومثناة تحتية ونون في الآخر، جميع ذلك بالتخفيف. قال: ويقال لها بالعجمية جغانيان- وهي مدينة موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أكبر من ترمذ إلا أن ترمذ أكثر أهلاً. ثم قال: وهي كورة كبيرة كثيرة الماء والشجر، والنسبة إليها صغاني وصاغاني.
الإقليم الثاني: تركستان:
بضم التاء المثناة من فوق وسكون الراء المهملة وضم الكاف وسكون السين المهملة وألف بعدها نون، ومعناها ناحية الترك. قال في مسالك الأبصار: وهي مملكة لو انفردتلكانت ملكاً كبيراً وسلطنة جليلة زهرة الدنيا، وطراز الأرض بلاد الترك وحقيقةً من كناسها رتعت غزلانها، ومن غابها أصحرت ليوثهم. وهي إقليم فسيح المدى، قديم الذكر، منشأ حماه؛ ومنسب كماه. وهو المراد بقولهم بلاد الأتراك؛ ولم تزل الملوك تلحظها لاتقاء بوادرها، والتقاء ذواخرها؛ فأشد ما نكرت الأيام معالمها، وغيرت الغير أحوالها.
قال: ولقد صادفت حدة التتار، في أول التيار؛ فجاءت قدامهم في سورة غضبهم، ونفخة نارهم؛ فأمالت السيوف حصائد أحبالهم، ولم يبق إلا من قل عديده. ثم قال: حكى لي من جال في رساتيقها، وجاز في قراها، أنه لم يبق من معالمها إلا رسومٌ داثرة، وأطلال ناتئة، يرى على البعد القرية مشيدة البناء مخضرة الأكناف، فيأنس لعله يجد بها أنيساً ساكناً، فإذا جاءها وجدها عالية البنيان، خاليةً من الأهل والسكان؛ إلا أهل العمل وأصحاب السائمة. ليست بذات حرث ولا زرع، وإنما خضرتها مروج أطلعها باريها بها من النباتات البرية لا بذرها باذرٌ ولا زرعها زارع.
ويوجد بها خلف من بقايا العلماء، ويجزى التيمم فيها بالتراب بعد الماء.
ومن نواحيها فاراب. قال في المشترك: بفتح الفاء والراء المهملة بين ألفين وفي آخرها باء موحدة. وقال في مسالك الأبصار: الصواب إبدال الفاء باء موحدة؛ لأنه ليس في اللغة التركية فاء. قال ابن حوقل: وهي ناحية لها غياض ولهم مزارع، ومقدارها في الطول والعرض أقل من يوم. قال في تقويم البلدان: وتسمى أطرار.
وقاعدتها قاشغر. قال في اللباب: بفتح القاف وسكون الألف ثم سكون الشين المعجمة أيضاً وفتح الغين المعجمة وفي آخرها راء مهملة. قال في تقويم البلدان: ويقال لها كاشغر بإبدال القاف كافاً- وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ست وتسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض أربع وأربعون درجة. قال المهلبي: وهي مدينة عظيمة آهلة عليها سورٌ وأهلها مسلمون. قال في القانون وتسمى أزدوكند.
قال في مسالك الأبصار: أما الآن فقاعدتها قرشي بقاف وراء مهملة وشين معجمة ثم ياء مثناة من تحت في الآخر. قال في مسالك الأبصار: وهي على نهر قراخوجا في نهاية الحد. قال: وهي وإن لم تكن شيئاً مذكوراً، ولا لها على اختلاف حالات الزمان شهرة تذكر، لكن قد شملها في دولة ملوكها الآن من نظر السعادة لنسبتها إلى أنها سكن لهم، وإن كانوا ليسوا بسكان جدار، ولا متديرين في ديار، ولكن لاسم وسمت به. وبها عدة مدن أيضاً: منها كدر. قال في الأطوال: وهي قصبة فاراب. قال في مسالك الأبصار: وإليها ينسب فيلسوف الإسلام أبو نصر الفارابي.
ومنها ختن. قال في اللباب: بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة من فوق ونون في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ست وثمانون درجة، والعرض ثنتان وأربعون درجة.
قال في تقويم البلدان: وهي أقصى تركستان. قال في العزيزي: وهي مدينة خصبةٌ آهلة عامرة، بها أنهار كثيرة.
ومنها جندٌ. قال في اللباب: بفتح الجيم وسكون النون وفي آخرها دال مهملة- وهي بلدة واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة وخمس وأربعون دقيقة. والعرض سبع وأربعون درجة. قال في اللباب: وهي في حدود الترك على طرف سيحون، خرج منها جماعة من الفضلاء.
ومنها إسفيجاب. قال في اللباب: بكسر الألف وسكون السين المهملة وكسر الفاء وسكون المثناة من تحت وفتح الجيم وفي آخرها باء موحدة بعد الألف- ووقع في مسالك الأبصار إبدال الفاء باءً موحدة- وموقعها في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول تسع وثمانون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة. قال في اللباب: وهي بلدة كبيرة. قال في تقويم البلدان: وهي من ثغور الترك.
ومنها طراز. قال في اللباب: بفتح الطاء والراء المهملتين وألف وزاي معجمة- وهي مدينة على حد بلاد الترك واقعةٌ في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول تسع وثمانون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، قال ابن حوقل: وحولها حصون منسوبة إليها.
ومنها نيلي. قال في مسالك الأبصار: وهي أربعة مدن بين كل مدينة والأخرى فرسخ واحد، ولكل واحدة منها اسم يخصها: فالأولى نيلي، والثانية نيلي مالق، والثالثة كجك، والرابعة تلان. قال: وبينها وبين سمرقند عشرون يوماً.
ومنها ألمالق- بفتح الهمزة وسكون اللام وفتح الميم وألف بعدها ثم لام مكسورة وقاف في الآخر. قال في مسالك الأبصار: وبينها وبين نيلي عشرون يوماً. ونقل عن الشيخ محمد الخجندي الصوفي وغيره أن بها من الخيل والأغنام ما لولاموتانٌ يقع فيها في بعض السنوات، لما بيعت ولا وجد من يشتريها لكثرتها وبركات نتاجها.
الإقليم الثالث: طخارستان:
قال في اللباب: بضم الطاء المهملة وفتح الخاء المعجمة وألف وضم الراء وسكون السين المهملتين وفتح المثناة من فوق وألف ونون. قال: وهي ناحية مشتملة على بلدان في أعلى نهر جيحون. وقال ابن حوقل: وهو إقليم له مدن كثيرة من مضافات بلخ. وقاعدتها فيما ذكره في القانون- ولوالج. قال في تقويم البلدان بواوين بينهما لام ساكنة ثم ألف ولام وجيم- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في القانون وهي مقر مملكة الهياطلة في القديم. قال المهلبي: وهي في مستوٍ من الأرض.
ولها مدن: منها إسكلكند. قال في اللباب: بكسر الألف وسكون السين المهملة وفتح الكافين، بينهما لام ساكنة ثم نون كذلك ودال مهملة في الآخر.
قال: وقد تحذف الألف من أولها. وهي مدينة صغيرة موقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وخمسون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في اللباب: وهي مدينة صغيرة كثيرة الخير.
ومنها راون. قال في اللباب: بفتح الراء المهملة والواو ونون في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول اثنتان وتسعون درجة وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة. قال في اللباب: وهي مدينة من طخارستان ولم يزد.
الإقليم الرابع: بذخشان:
قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة والذال وسكون الخاء وفتح الشين المعجمات ونون في الآخر. قال ابن حوقل: وهو اسم للمدينة والإقليم معاً. قال في اللباب: وهي في أعلى طخارستان متاخمةٌ لبلاد الترك. وقال في مسالك الأبصار: هي مع مملكة ما وراء النهر وليست حقيقة منها ولا من تركستان، بل هو إقليم قائم بذاته، معدود المجاورة مع أخواته، وقد حوى كل بديع من حيوانه ومعدنه ونباته.
ثم حكى عن محمد الخجندي الصوفي وغيره أن بها معدن البلخش، ومعدن اللازورد وهما في جبل بها، يحفر عليهما في معادنهما، فيوجد اللازورد بسهولة، ولا يوجد البلخش إلا بتعب كثير وإنفاق زائد، وقد لا يوجد بعد التعب الشديد والإنفاق الكثير. ولذلك عز وجوده، وعلت قيمته، وكثر طالبه، والتفت الأعناق إلى التحلي به. وقد تقدم ذكره في المقالة الأولى في الكلام على ما يحتاج الكاتب إلى معرفته ليصفه عند ذكر الأحجار النفيسة. وقد تقدم هناك أن أنفس قطعة وصلت إلى بلاد الشام منه قطعةٌ زنتها خمسون درهماً. وقد ذكر في اللباب أن بها معدن البلور أيضاً، وقد تقدم ذكره هناك في الكلام على الأحجار النفيسة.
الجملة الثالثة في الطرق الموصلة إليها وبعض المسافات الواقعة بين بلادها:
قد تقدم في الكلام على مملكة إيران الطريق إلى آمل الشط بشط جيحون.
قال ابن خرداذبه: ومن آمل إلى بخارا تسعة عشر فرسخاً، ومن بخارا إلى سمرقند سبعة وثلاثون فرسخاً، ومن سمرقند إلى الشاش اثنان وأربعون فرسخاً، ثم إلى باب الحديد ميلان، ثم إلى كار فرسخان، ثم إلى إسفيجاب عشرة فراسخ، ومن إسفيجاب إلى أطرار وهي فاراب ستة وعشرون فرسخاً. قال في تقويم البلدان: ومن سمرقند إلى خجندة سبع مراحل، ومن خجندة إلى الشاش أربع مراحل.
الجملة الرابعة في عظام الأنهار الواقعة في هذا القسم من مملكة توران:
وهي نهران الأول نهر جيحون- بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وضم الحاء المهملة وسكون الواو ثم نون؛ ويسمى نهر بلخ أيضاً، إضافة إلى مدينة بلخ من بلاد فارس المقدم ذكرها. قال في تقويم البلدان: وقد اختلف النقل فيه، وأقربه ما نقله ابن حوقل أن عمود نهر جيحون يخرج من حدود بذخشان، ثم تجتمع إليه أنهار كثيرة، ويسير غرباً وشمالاً حتى يصل إلى حدود بلخ، ثم يسير إلى ترمذ، ثم غرباً وجنوباً إلى زم واسمها أمويه، ويجري كذلك غرباً وشمالاً إلى خوارزم. قال في رسم المعمور: ويخرج جنوباً ويمر قرب خجندة ويتجاوزها ويصب في البحر الأخضر.
الثاني نهر سيحون. قال في تقويم البلدان: وقد اختلف النقل فيه أيضاً. قال: والمختار ما ذكره ابن حوقل، لأنه يحكي ذلك عن مشاهدة. فقال: إن نهر الشاش بقدر الثلثين من نهر جيحون، وهو من حدود بلاد الترك ويمر على أخسيكث، ثم يسير مغرباً بميلة إلى الجنوب إلى خجندة، ثم يجري إلى فاراب إلى ينغي كنت ثم يقع في بحيرة خوارزم على مرحلتين من ينغي كنت.
الجملة الخامسة في معاملاتها وأسعارها:
أما معاملاتها فبالدينار الرابح، وهي ستة دراهم كما في معظم مملكة إيران.
وفي بعضها بالدينار الخراساني وهو أربعة دراهم. قال في مسالك الأبصار: ودراهمهم نوعان: درهم بثمانية فلوس، ودرهم بأربعة فلوس. قال: ودراهمها فضةٌ خالصة غير مغشوشة. وهي وإن قل وزنها عن معاملة مصر والشام فإنها تجوز مثل جوازها.
وأما أسعارها فأسعارها جميعها رخية حتى إذا غلت الأسعار فيها أعلى الغلو، كانت مثل أرخص الأسعار بمصر والشام.
الجملة السادسة في من ملك هذا القسم من مملكة توران:
قد تقدم في الكلام على أصل مملكة توران أنها كانت مملكة الترك في القديم. وأنه كان بها افراسياب بن شبك بن رستم بن ترك بن كوبر بن يافث بن نوح عليه السلام على الخلاف السابق فيه، وكانت تعرف بمملكة الخانية.
أما في الإسلام فملوكها على طبقتين:
الطبقة الأولى: ما هو عقيب الفتح:
وهم على ضربين:
الضرب الأول ملوك ما وراء النهر وكانت بيد نواب الخلفاء برهةً من الزمان في صدر الإسلام، ثم تغلب عليها الملوك بعد ذلك وحازوها، وتوالت عليها أيديهم إلى الآن. وأول من تغلب عليها من الملوك السامانية، وهم بنو سامان بن جثمان بن طمغان بن بوشرد بن بهرام وبين المذكور في أخبار كسرى أبرويز أحد ملوك الفرس.
وأول من ملكها منهم أولاد أسد بن سامان في خلافة المأمون في سنة أربع ومائتين فتولى أحمد بن أسد فرغانة، ويحيى بن أسد الشاش وأسروشنة ونوح بن أسد سمرقند ثم مات نوح بن أسد بسمرقند، ثم مات أحمد بفرغانة واستخلف ابنه نصراً على أعماله؛ وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصراً فولاه نصرٌ بخارا في السنة المذكورة، وكان إسماعيل رجلاً خيراً يحب أهل العلم ويكرمهم، فاستقرت قدمه ببخارا وملك جميع ما وراء النهر، وملك إسماعيل المذكور خراسان مع ما وراء النهر في سنة سبع وثمانين ومائتين.
ثم ملك بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه أحمد بن إسماعيل حتى قتل في سنة إحدى وثلثمائة؛ وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه أبو الحسن نصر ابن أحمد وتوفي سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة.
وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه نوح بن نصر وتوفي في سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة.
وولي بعده ما وراء النهر وخراسان ابنه عبد الملك بن نوح وبقي حتى قبض عليه إيليك خان ملك الترك، وحبس هو وجميع أقاربه، ومات في الحبس في سنة تسع وثمانين وثلثمائة، وانقرضت بموته دولة بني سامان، وكانت دولتهم من أحسن الدول وأعدلها، وكانت ولايتهم إمارةً لا ملكاً.
وملك بعدهم ما وراء النهر ايليك خان المقدم ذكره، وتوالت بأيديهم حتى ملكها منهم رجل اسمه أحمد خان فبقيت بيده حتى ملكها منه ملكشاه السلجوقي في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وأطاعه صحب تركستان فخطب له وضرب السكة باسمه، ثم خرج عنها وعاد أحمد خان إليها، فبقي حتى ثبتت زندقته وضرب عنقه في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
وملك بعده ابن عمه مسعود، ثم أقيمت الخطبة بما وراء النهر لبركيارق، ثم خطب بركيارق فيما بيده مما وراء النهر وغيره لأخيه محمد بن ملكشاه. ثم غلب عليها الخطا الكفار في سنة ست وثلاثين وخمسمائة وانتزعوها من يد سنجر بن ملكشاه. ثم صارت بيد الغز: وهم طائفة من الترك مسلمون.
ثم استولى عليها بنو أنوشتكين ملوك خوارزم الآتي ذكرهم، إلى أن غلب عليها جنكزخان في سنة ست عشر وستمائة.
وأما غزنة وما معها فكانت بيد بني سامان؛ ثم غلب عليها سبكتكين: وهو أحد مماليك أبي إسحاق بن ألبتكين صاحب جيش غزنة للسامانية المقدم ذكره في سنة ست وستين وثلثمائة بعد موت أبي إسحاق المذكور؛ ثم مات وقام بالأمر بها بعده ابنه إسماعيل؛ ثم غلبه عليها أخوه محمود بن سبكتكين، واستضاف إليها بعض خراسان في سنة تسع وثمانين وثلثمائة، وقطع الخطبة السامانية، وبقي حتى توفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.
وملك بعده ابنه محمد بن محمود بعهد من أبيه، ثم قدم أهل المملكة عليه أخوه مسعود بن محمود وملكوه عليهم، وبقي حتى قتل في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة.
ثم ملك بعده أخوه محمد المقدم ذكره وقتل من عامه؛ وملك بعده ابن أخيه مودود بن مسعود وتوفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة.
وملك بعده عمه عبد الرشيد بن محمود وقتل في سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
وملك بعده أخوه فرخزاد بن مسعود بن محمود، وتوفي سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
وملك بعده أخوه الملك المؤيد إبراهيم بن مسعود، وتوفي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
وملك بعده ابنه مسعود بن إبراهيم، وتوفي سنة ثمان وخمسمائة.
وملك بعده أرسلان شاه بن مسعود.
ثم ملك بعده بهرام شاه بن مسعود ثم توفي.
وملك بعده ابنه خسروشاه بن بهرام، وتوفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
وملك بعده ابنه ملكشاه بن خسروشاه بن بهرام بن مسعود بن محمد بن سبكتكين، وهو آخرهم.
ثم انتقل الملك إلى الغورية.
فأول من ملك منهم علاء الدين الحسين بن الحسين، ملك عند انقراض الدولة السبكتكينية، واستضافها إلى الغور في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وتلقب بالملك المعظم، وتوفي سنة ست وخمسين وخمسمائة.
وملك بعده غياث الدين محمد بن سام بن الحسين؛ ثم استولى عليها الغز نحو خمس عشرة سنة؛ ثم ملكها شهاب الدين أخو غياث الدين المقدم ذكره سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وقتل سنة اثنتين وستمائة، وفي أيامه كان الإمام فخر الدين الرازي وكان يغشاه ويعظه.
ثم ملك بعده علاء الدين محمد بن سام بن محمد بن مسعود بن الحسين؛ ثم غلبه عليها يلدز مملوك غياث الدين أخي شهاب الدين؛ ثم غلبه عليها علاء الدين المذكور؛ ثم غلب عليها يلدز أيضاً؛ ثم غلب عليها علاء الدين محمد بن تكش بن خوارزم شاه في سنة اثنتي عشرة وستمائة، وبقي حتى غلبه عليها جنكزخان الآتي ذكره في سنة سبع عشرة وستمائة.
الطبقة الثانية: ملوكها من بني جنكزخان:
قال في مسالك الأبصار: كان جنكزخان قد أوصى بمملكة ما وراء النهر لولده جداي، ويقال له جفطاي فلم يتمكن من ذلك.
ثم ملك بعده ابنه قراهولاوو، ثم ولده مبارك شاه؛ ثم غلب عليه قيدو بن قاشي بن يكبوك بن أوكداي بن جنكزخان؛ ثم غلب عليه براق بن بسنطو بن منكوقان بن جفطاي بن جنكزخان.
ثم ملك بعده دوا بن براق، ثم أخوه كنجك، ثم أخوه اسبنغا، ثم أخوه كيوك، ثم أخوه الجكداي، ثم أخوه دراتمر، ثم أخوه ترما شيرين.
ثم ملك بعده رجل ليس من أولاد دوا اسمه توزون بن أوياكان. قال: وتخلل في خلال ذلك من وثب على الملك، ولم ينتظم له حال ولا صلت له أعلام دولة، وبقي الملك بعد ترماشيرين غير منتظم حتى قام جنفصو بن درانمر بن حلو ابن براق بن بسنطو بن منكوقان بن جفطاي بن جنكزخان. إلى هنا انقضى كلامه في مسالك الأبصار.
وأول من أسلم من ملوك هذه المملكة ترماشيرين المقدم ذكره سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فأسلم وحسن إسلامه وأخلص في إسلامه وأيد الإسلام، وقام به حق القيام، وأمر به أمراءه وعساكره، فمنهم من كان سبق إسلامه ومنهم من أجاب داعيه فأسلم، وفشا فيهم الإسلام، وعلا لواؤه حتى لم تمض عشرة أعوام، حتى اشتمل فيها بملاءته الخاص والعام، وأعان على ذلك من في تلك البلاد من الأئمة العلماء والمشايخ الصلحاء. وصارت التجار من مصر والشام مترددة إلى تلك الممالك، وهو يكرمهم أتم الإكرام، على أن رعايا هذه المملكة من قدماء الإسلام، السابقين إليه كانون مع كفر ملوكهم في جانب الإعزاز والإكرام، لا يتطرق إليهم منهم أذية في دين ولا حال ولا مآل.
الجملة السابعة في ترتيب هذه المملكة وحال عساكرها:
أما ترتيبها فقد أشار في مسالك الأبصار إلى أنها على نحو ما تقدم في مملكة إيران لاتفاق ملوك بني جنكزخان في الترتيب على طريقة واحدة.
وأما عساكرهم فذكر أن عساكرهم من أهل النجدة والبأس، لا يجحد ذلك من طوائف الترك جاحد، ولا يخالف فيه مخالف، حتى حكى في مسالك الأبصار عن مجد الدين إسماعيل السلامي أنه كان إذا قيل في بيت هولاكو: العساكر تحركت من خوارزم والقبجاق، لا يحمل لذلك أحدٌ منهم هماً. وإذا قيل: إن العساكر تحركت مما وراء النهر، تأثروا لذلك غاية التأثر، لأن هؤلاء أقوى ناصراً وإن كان أولئك أكثر عدداً، لأنه يقال: إن واحداً من هؤلاء بمائة من أولئك، ولذلك كانت خراسان عندهم ثغراً لا يهمل سداده، ولا يزال فيه من يستحق ميراث التخت أو من يقوم مقامه، ولما وقر في صدورهم لهؤلاء من مهابة لا يقلقل طودها، لأنهم طالما بلوهم في الحرب وابتلوهم فيها.
القسم الثاني من مملكة توران خوارزم والقبجاق:
قال في مسالك الأبصار: حدثني الشيخ نجم الدين بن الشحام الموصلي: أن هذه المملكة متسعة الجوانب طولاً وعرضاً، كبيرة الصحراء، قليلة المدن، وبها عالم كثيرٌ لا يدخل تحت حد، إلا أنهم ليس لهم كثير نفع لقلة السلاح ورداءة الخيل، وأرضهم سهلة قليلة الحجر، لا تطيق خيلٌ ربيت فيها الأوعار، فلذلك يقل غناؤها في الحروب. قال في التعريف: وكانت هذه المملكة في قديم الزمان زمان الخلفاء وما قبله تعرف بصاحب السرير. قال في الروض المعطار: وذلك أنه كان بها سرير من ذهب يجلس عليه ملوكها نقله إليها ملوك الفرس. قال في التعريف: وكان صاحبها في الأيام الناصرية يعني ابن قلاوون السلطان أزبك خان. قال: وقد خطب إليه السلطان فزوجه بنتاً تقرب إليه، ثم قال: وما زال بين ملوك هذه المملكة، وبين ملوكنا قديم اتحاد، وصدق وداد؛ من أول الدولة الظاهرية بيبرس وإلى آخر وقت.
ويحصل الغرض من ذلك في ثمان جمل:
الجملة الأولى في ذكر حدود هذه المملكة ومسافتها:
قد ذكر في مسالك الأبصار نقلاً عن الشيخ علاء الدين بن النعمان الخوارزمي أن طول هذه المملكة من بحر اصطنبول إلى نهر أريس ستة أشهر، وعرضها من بلغار إلى باب الحديد أربعة أشهر تقريباً. ثم ذكر عنه في موضع آخر: أن مجموع هذه المملكة من ورعات خوارزم من الشرق إلى باشقرد، وعرضاً من خوارزم إلى أقصى بلاد سير، وهي منتهى العمارة في الشمال. وذكر في موضع آخر عن ابن النعمان أن مبدأ عرض هذه المملكة من ديرقنو، وهي مدينة من بناء الإسكندر، كان عليها باب من حديد قديماً، إلى بلاد بوعره؟، وطولها من ماء أريس، وهو أعظم من نيل مصر بكثير من ناحية بلاد الخطا، إلى اصطنبول يعني القسطنطينية. قال: ويتجاوز هذا الطول قليلاً إلى بلاد تسمى كمخ مشتركة بين الروس والفرنج. وذكر في موضع آخر أن خوارزم إقليم منقطع عن خراسان وعن ما وراء النهر، والمفاوز محيطةٌ به من كل جانب، وحده متصل بغزنة مما يلي الشمال والغرب وجنوبيه وشرقيه، وهو على جانبي جيحون. قال ابن حوقل: وبلاد خوارزم من أبرد البلاد، ومنها يبتديء الجمود في نهر جيحون. قال في العزيزي: وبلاد خوارزم في جهة الجنوب والشرق عن بحيرة خوارزم، وبينهما نحو ست مراحل. قال في مسالك الأبصار: وأول حد خوارزم بلدة تسمى الظاهرية مما يلي آمل، وتمتد العمارة في جانبي جيحون معاً.
وحكى عن حسن الرومي التاجر السفار أن طولها من مدينة باكو المعروفة بالباب الحديد إلى حدود بلاد الخطا، فيكون بسير القوافل خمسة أشهر، وعرضها من نهر جيحون إلى نهر طونا. وقال في مسالك الأبصار: وهذه المملكة واقعة في الشمال آخذة إلى الشرق، تحدها أطراف الصين من شرقيها، وبلاد الصقلب وما يليها من شماليها، وخراسان وما سامتها من جنوبيها، والخليج القاطع من بحر الروم من غربيها.
الجملة الثانية فيما اشتملت عليه من الأقاليم العرفية:
اعلم أن هذه المملكة قد اشتملت على عدة أقاليم:
الإقليم الأول: خوارزم:
بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وألف بعدها راء مهملة ثم زاي معجمة ساكنة وميم في الآخر. قال في تقويم البلدان: وه إقليم منقطع عن خراسان وعن ما وراء النهر، والمفاوز محيطة به من كل جانب. قال: ويحيط به من الغرب بعض بلاد الترك؛ ومن جهة الجنوب خراسان؛ ومن الشرق بلاد ما وراء النهر؛ ومن الشمال بلاد الترك أيضاً. قال: وإقليم خوارزم في آخر جيحون، وليس بعده على النهر عمارة إلى أن يقع جيحون في بحيرة خوارزم، وهي على جانبي جيحون.
قال ابن حوقل: وبلاد خوارزم من أبرد البلاد، ويبتديء الجمود في نهر جيحون من جهة خوارزم. وقال المهلبي: بلاد خوارزم في جهة الجنوب والشرق عن بحيرة خوارزم نحو ست مراحل. قال في مسالك الأبصار: وبخوارزم جبلٌ يقال له جبل الخير به عين تعرف به، يقصدها ذوو الأمراض المزمنة، ويقيمون عندها سبعة أيام، في كل يوم يغتسلون بها بكرة وعشية، ويشربون منها عقب كل اغتسال حتى يتضلعوا، فيحصل البرء. قال: وخوارزم على جيحون بين شعبتين منه مثل السراويل. قال: ويلي خوارزم أرض مدورة تسمى قسلاع، طولها خمسة أشهر، وعرضها كذلك كلها صحراء، يسكنها أمم كثيرة من البرجان، ويفصل بينها وبين نهر جيحون جبلٌ اسمه أويلغان شمالي خراسان. ولها قاعدتان.
القاعدة الأولى القديمة: مدينة كاث:
بكاف وألف وثاء مثلثة. قال ابن حوقل: وهو اسمها بالخوارزمية؛ وهي مدينة واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في القانون حيث الطول خمس وثمانون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة وست عشرة دقيقة.
قال في القانون: وهي في شرقي جيحون. قال المهلبي: وبينها وبين القرية الحديثة من بلاد الترك خمسون فرسخاً. قال: وهي من أجل مدن خوارزم. قال ابن حوقل: وقد خربها التتر وبنى الناس لهم مدينة وراءها. قال: وكانت هذه المدينة في الجانب الشمالي عن جيحون. قال في مسالك الأبصار: وبها مائة بيت من اليهود، ومائة بيت من النصارى، لا يسمح لهم بأكثر من ذلك.
القاعدة الثانية: كركانج:
قال في المشترك: بضم الكاف وسكون الراء المهملة ثم كاف ثانية وألف ونون ساكنة وفي آخرها جيم. قال: ويلتقي فيها ساكنان يعني الألف والنون ولذلك يكتبونها كركنج بغير ألف، وتعرف بكركنج الكبرى، والعرب تسميها الجرجانية- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال والقانون حيث الطول أربع وثمانون درجة ودقيقة واحدة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وسبع وخمسون دقيقة. قال في المشترك: وهي على ضفة جيحون. قال في القانون من غربيه. وبها عدة مدن أيضاً: منها كركنج الصغرى. وتعرف بالجرجانية أيضاً- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة أيضاً. قال في الأطوال حيث الطول أربع وثمانون درجة وخمس دقائق، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في المشترك: وهي مدينة قريبة من كركنج الكبرى، بينهما عشرة أميال، وهي في غربي جيحون.
ومنها زمخشر. قال في اللباب: بفتح الزاي المعجمة والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين وراء مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول أربع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وخمس وأربعون دقيقة.
وإليها ينسب الإمام أبو القاسم محمود الزمخشري صاحب الكشاف في التفسير وغيره من المصنفات الفائقة النافعة.
ومنها هزاراسب. قال في اللباب: بفتح الهاء والزاي المعجمة وسكون الألف وفتح الراء وسكون السين المهملتين وباء موحدة في الآخر- وهي قلعة بخوارزم موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول خمس وثمانون درجة وعشرون دقيقة، والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة. قال السمعاني: ويقال لها بالفارسية هزارسف. قال: وهي قلعة حصينة. قال المهلبي غربي جيحون، وبينها وبين مدينة كاث ستة فراسخ.
ومنها درعان. بدال وراء وعين مهملات وألف ثم نون- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول ست وثمانون درجة وأربع وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجة وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي آخر حدود خوارزم إلى جهة مرو. قال المهلبي: وبينها وبين هزاراسب أربعة وعشرون فرسخاً.
ومنها فربر. قال في اللباب: بفتح الفاء والراء المهملة وسكون الباء الموحدة. وقال في مزيل الارتياب: بفتح الفاء وكسرها، كل منهما مسموع- وهي مدينة على طرف جيحون مما يلي بخارا- موقعها في آخر الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول سبع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في القانون: وهي المعبر من بلاد ما وراء النهر إلى خراسان. وجعلها ابن حوقل من أعمال بخارا. فتكون مما وراء النهر، وهي خصبةٌ ولها قرىً عامرة.
الإقليم الثاني: الدشت:
بفتح الدال المهملة وسكون الشين المعجمة وتاء مثناة فوق في الآخر- وهي صحارى في جهة الشمال، وتضاف إلى القبجاق بفتح القاف وسكون الباء الموحدة وفتح الجيم وألف بعدها ثم قاف- وهم جنس من الترك يسكنون هذه الصحارى، أهل حل وترحالٍ، على عادة البدو.
وقاعدة المملكة بها صراي. قال في تقويم البلدان: بفتح الصاد والراء المهملتين وألف وياء مثناة تحتية. ووقع في مسالك الأبصار بالسين المهملة بدل الصاد- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: وهي مدينة عظيمة في مستو من الأرض على شط نهر الأثل من الجانب الشمالي الشرقي غربي بحر الخزر وشماليه على مسيرة نحو يومين، وبحر الخزر شرقيها بجنوبيها، ونهر الأثل عندها يجري من الشمال والغرب إلى الشرق والجنوب حتى يصب في بحر الخزر. وهي فرضة عظيمة للتجار ورقيق الترك. وذكر في مسالك الأبصار عن عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان: أنها بناء بركة بن طرجي بن جنكزخان، وأنها في أرض سبخة بغير سورٍ، ودار الملك بها قصرٌ عظيم على عليائه هلالٌ من ذهب زنته قنطاران بالمصري، ويحيط بالقصر سورٌ وأبراج فيها الأمراء، وبهذا القصر يكون مشتاهم؛ والسراي مدينة كبيرة ذات أسواق وحمامات ووجوه بر مقصودة بالإجلاب، وفي وسطها بركةٌ ماؤها من نهر الحل ماؤها للاستعمال. أما شربهم فمن النهر يسقى لهم في جرار فخار، وتصف على العجلات وتجر إلى المدينة وتباع بها. قال: وبعدها عن خوارزم نحو شهر ونصف. قال في تقويم البلدان: وقد بنى بها السلطان أزبك مدرسةً للعلم. قال في مسالك الأبصار: وهم في جهد من قشف العيش لأنهم ليسوا أهل حاضرة، وشدة البرد تهلك مواشيهم. قال: وهم لشدة ما بهم من سوء الحال إذا وجد أحدهم لحماً صلقه ولم ينضجه وشرب مرقه، وترك اللحم ليأكله مرة أخرى، ثم يجمع العظام ويعاود صلقها مرة أخرى ويشرب مرقها، وقس على هذا بقية عيشهم. ونقل عن جمال الدين عبد الله الحصني التاجر: أن لبس كثير منهم الجلود: مذكاة كانت أو ميتة، مدبوغة أو غير مدبوغة، من حيوان طاهر أو غيره، ولا يعرفون في المآكل ما يعاف مما لا يعاف، ولا التحريم من التحليل؛ وأنهم يبيعون أولادهم في بعض السنين لضيق العيش. قال: ومع ذلك فليس لهم تمسك بدين ولا رزانه في عقل؛ ثم عقب ذلك بأن قال: ومع ذلك فهم من خيار الترك أجناساً لوفائهم وشجاعتهم وتجنبهم الغدر، مع تمام قاماتهم وحسن صورهم وظرافة شمائلهم. ثم قال: ومنهم معظم جيش الديار المصرية من ملوكها وأمرائها وجندها؛ إذ لما رغب الملك الصالح نجم الدين أيوب في مشترى المماليك منهم، ثم صار من مماليكه من انتهى إلى الملك والسلطنة، فمالت الجنسية إلى الجنسية، ووقعت الرغبة في الاستكثار منهم حتى أصبحت مصر بهم آهلة المعالم، محمية الجوانب؛ منهم أقمار مواكبها، وصدور مجالسها، وزعماء جيوشها، وعظماء أرضها وحمد الإسلام مواقفهم في حماية الدين، حتى إنهم جاهدوا في الله أهليهم. قال: وكفى بالنصرة الأولى يوم عين جالوت في كسر الملك المظفر قطز صاحب مصر إذ ذاك في سنة ثمان وخمسين وستمائة عساكر هولاكو ملك التتر بعد أن عجز عنهم عساكر الأقطار، واستأصلوا شأفة السلطان جلال الدين محمد بن خوارزم شاه وقتلوا عساكره؛ مع أن الجيش المصري بالنسبة إلى العساكر الجلالية كالنقطة من الدائرة، والنغبة من البحر، والله يؤيد بنصره من يشاء.
أما في زماننا هذا فإنه قام السلطان الملك الظاهر برقوق من جنس الجركس، رغب في المماليك من جنسه وأكثر من المماليك الجراكسة حتى صار منهم أكثر الأمراء والجند، وقلت المماليك الترك من الديار المصرية حتى لم يبق منهم إلا القليل من بقاياهم وأولادهم.
الإقليم الثالث: بلاد الخزر:
بفتح الخاء والزاي المعجمتين وراء مهملة في الآخر.
وقاعدته مدينة بلنجر. قال في اللباب: بفتح الباء الموحدة واللام ونون ساكنة وجيم مفتوحة ثم راء مهملة- وهي مدينةٌ بدربند خزران، واقعة في الإقليم السادس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول خمس وسبعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة. قال في كتاب الأطوال: وهي إتل. قال في اللباب: وهي داخل الباب والأبواب، قيل إنها نسبت إلى بلنجر بن يافث.
الإقليم الرابع: القرم:
قالفي تقويم البلدان: بكسر القاف والراء المهملة وميم في الآخر. قال وهو اسم لإقليم يشتمل على نحو أربعين بلداً.
وقاعدتها صلغات. قال في تقويم البلدان: بضم الصاد المهملة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف وتاء مثناة فوقية في الآخر- وقد أطلق الناس اسم القرم عليها حتى إذا قالوا القرم لا يريدون إلا صلغات- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشر دقائق والعرض خمسون درجة. قال: وهي عن البحر على نصف يوم؛ وهي عن الأزق في الغرب والشمال.
وبصراي بلادٌ مضافة إليها:
منها الأكك. قال في تقويم البلدان: بضم الهمزة وفتح الكاف الأولى ثم كاف ثانية- وهي بليدة من بلاد الصراي، موقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: القياس حيث الطول ثمان وسبعون درجة، والعرض تسع وأربعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وهي على جانب نهر إتل من الجانب الغربي بين صراي وبلار، على قرب منتصف الطريق بينهما؛ وهي عن كل واحدة منهما على نحو خمس عشرة مرحلة. وإلى الأكك هذه ينتهي أردو القان صاحب هذه المملكة؛ ولها مدن أخر كما تقدم. وهي على الكفا شمالٌ بغرب، وعن صوداق شمال بشرق، وبين كل منهما مسيرة يوم؛ وبها حاكم يكاتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية.
ومنها صوداق. قال في تقويم البلدان: بضم الصاد المهملة وواو، وفتح الدال المهملة وألف وقاف في الآخر، والعامة يقولون: سرداق، فيبدلون الصاد سيناً مهملة والواو راءً مهملة- وموقعها في آخر الإقليم السابع من الأقاليم السبعة أو في الشمال عنه. قال ابن سعيد: حيث الطول ست وخمسون درجة، والعرض إحدى وخمسون درجة. قال في تقويم البلدان: وهي في ذيل جبل على شط بحر القرم، وأرضها محجر وهي مسورة، وهي فرضة للتجار؛ ويقابلها من البر الآخر مدينة سامسون، من سواحل بلاد الروم الآتي ذكرها. قال: وأهلها مسلمون. وقال ابن سعيد: أهلها أخلاط من الأمم والأديان، والأمر فيها راجع إلى النصرانية. وإليها ينسب الجلد السرداقي المعروف.
ومنها كفا. قال في تقويم البلدان: بفتح الكاف والفاء وألف مقصورة. وهي فرضة القرم- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال: والقياس أنها حيث الطول سبع وخمسون درجة، والعرض خمسون درجة، وهي في وطاة من الأرض؛ وهي على ساحل بحر القرم، ويقابلها من البر الآخر مدينة طرابزون من سواحل بلاد الروم، وهي شرقي صوداق، وعليها سورٌ من لبنٍ، ومن شماليها وشرقيها صحراء القبجاق؛ وهي عن صوداق في سمت الشرق، والكفا وصوداق وصلغات كالأثافي.
الإقليم الخامس: بلاد الأزق:
قال في تقويم البلدان: بفتح الهمزة والزاي المعجمة وقاف في الآخر.
وقاعدته مدينة الأزق بالضبط المعروف- موقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول خمس وستون درجة، والعرض ثمان وأربعون درجة. قال: وإليها ينسب بحر الأزق المعروف في الكتب القديمة ببحر مانيطش، وهي فرضة على بحر الأزق في مستوٍ من الأرض عند مصب نهر تان في بحر الازق، وبناؤها بالخشب، وبينها وبين القرم نحو خمس عشرة مرحلة، وهي في الشرق والجنوب عن القرم.
ولها مدن أخر: منها الكرش. قال في تقويم البلدان: بفتح الكاف وسكون الراء المهملة وشين معجمة في الآخر- وهي بلدة صغيرة على ساحل بحر الأزق، واقعة في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: القياس حيث الطول ستون درجة، والعرض سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة. وهي بلدة صغيرة بين الكفا والأزق على فم بحر الأزق، ويقابلها من البر الآخر الطامان من سواحل أرمينية وبلاد الروم، وأهلها قبجاقٌ كفار.
الإقليم السادس: بلاد الجركس:
بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الكاف وسين مهملة في الآخر. قال المؤيد صاحب حماة في تاريخه: وهو على بحر نيطش من شرقيه، وهم في شظف من العيش. قال: وقد غلب عليهم دين النصرانية، وقد صار في زماننا منهم أكثر عسكر الديار المصرية من لدن ملك الظاهر برقوق فإنه أكثر الإجلاب منهم.
الإقليم السابع: بلاد البلغار:
بضم الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الغين المعجمة وألف ثم راء مهملة في الآخر. وهم جنس معروف أيضاً. قال صاحب حماة في تاريخه: وهم منسوبون إلى بلدان يسكنونها.
وقاعدتها مدينة بلار بضم الباء الموحدة وفتح اللام وألف وراء مهملة في الآخر. قال في تقويم البلدان: ويقال لها بالعربي بلغار- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة، أو في الشمال عنه. قال في الأطوال وطولها ثمانون درجة، والعرض خمسون درجة وثلاثون دقيقة؛ وهي بلدة في نهاية العمارة قريبة من شط نهر إتل من البر الشمالي الشرقي، وهي وصراي في بر واحد، وبينهما فوق عشرين مرحلة، وهي في وطاة والجبال عنها أقل من يوم؛ وأهلها مسلمون حنفية، وليس بها شيء من الفواكه ولا أشجار الفواكه لشدة بردها، والفجل الأسود في غاية الكبر. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وقد حكى لي بعض أهلها أن في أول الصيف لا يغيب الشفق عنها ويكون ليلها في غاية القصر. ثم قال: وهذا الذي حكاه صحيح موافقٌ لما يظهر بالأعمال الفلكية، لأن من عرض ثمانية وأربعين ونصف يبتديء عدم غيبوبة الشفق في أول فصل الصيف، وعرضها أكثر من ذلك، فصح ما تقدم على كل تقدير. قال في مسالك الأبصار: وحكى لي الحسن الإربلي أن أقصر ليلها أربع ساعات ونصف، وهو غاية نقصان الليل. قال حسن الرومي: وسألت مسعوداً المؤقت بها عن هذا فقال: جربناه بالآلات الرصدية فوجدناه كذلك تحريراً. قال في مسالك الأبصار: وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب أنه كان في السرب والبلغار من قديمٍ دار إسلام ومستقر إيمان. فأما الآن فقد تبدلت بإيمانها كفراً، وتداولها طائفة من عباد الصليب، ووصلت منهم رسلٌ إلى حضرة مصر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة من صاحب السرب والبلغار، يعرض نفسه على مودته، ويسأله سيفاً يتقلده وسنجقاً يقهر أعداءه به، فأكرم رسله وأحسن نزله؛ وجهز له معه خلعة كاملة: طرد وحش بقصب بسنجاب مقندس على مقرح سكندري وكلوتة زركش بطرفين، ومنطقة ذهب، وكلاليب ذهب وسيف محلى، وسنجق سلطاني أصفر مذهب.
قال: وهم يدارون سلطان القبجاق لعظيم سلطانه عليهم، وأخذه بخناقهم لقربهم منه. وذكر في التعريف قريباً منه؛ ولصاحب السرب مكاتبة عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية، يأتي ذكرها في المكاتبات إن شاء الله تعالى.
وبين السرب والبلغار وبلاد الترك بلادٌ: منها أقجا كرمان- بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الجيم وألف وفتح الكاف والراء المهملة والميم وألف ونون في الآخر- وهي بليدة على بحر نيطش المعروف ببحر القرم، واقعة في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول خمس وأربعون درجة، والعرض خمسون درجة، وهي في مستوٍ من الأرض، وأهلها أخلاط من مسلمين وكفار، وعلى القرب منها يصب نهر طرلو.
ومنها صاري كرمان. قال في تقويم البلدان: بفتح الصاد المهملة وألف وكسر الراء المهملة وياء مثناة تحتية- وكرمان على ما تقدم، منخرطة في أقجا كرمان، وهي بليدة أصغر من أقجا كرمان- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان حيث الطول خمس وخمسون درجة، والعرض خمسون درجة قياساً، ويقابلها من البر الآخر مدينة سنوب من سواحل بلاد الروم، وهي شرقي أقجا كرمان المقدم ذكرها، وبينهما نحو خمسة عشر يوماً، وبينها وبين صلغات نحو خمسة أيام.
الإقليم الثامن: بلاد الأولاق:
بضم الهمزة وسكون الواو ولام ألف بعدها قاف، ويقال لها البرغال بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الغين المعجمة وألف ثم لام، وهم جنس معروف.
وقاعدتها مدينة طرنو. قال في تقويم البلدان: بالطاء المكسورة والراء الساكنة المهملتين والنون المفتوحة وواو في الآخر- وموقعها في الإقليم السابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أنها حيث الطول سبع وأربعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. قال: وهي غربي صقجي على ثلاثة أيام منها، وأهلها كفار من الجنس المذكور. ولهم بلاد أخرى:
منها صقجي. قال في تقويم البلدان: قال بعض الفقهاء: بفتح الصاد المهملة وسكون القاف وكسر الجيم المشربة بالشين المعجمة وفي الآخر مثناة تحتية- وهي من أولاق وبلاد القسطنطينية. قال في الأطوال حيث الطول ثمان وأربعون درجة وسبع وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة، وهي متوسطة بين الصغر والكبر في مستوٍ من الأرض، عند مصب نهر طنا في بحر نيطش المعروف ببحر القرم في الجانب الجنوبي الغربي منه. وهي عن أقجا كرمان على مسيرة خمسة أيام، وبينها وبين القسطنطينية في البحر عشرون يوماً، وغالب أهلها مسلمون.
الإقليم التاسع: بلاد الآص:
بفتح الهمزة الممدودة وصاد مهملة- وهم جنس معروف.
وقاعدته قرقر. قال في تقويم البلدان: بكسر القاف وسكون الراء المهملة وسكون القاف الثانية؟ وكسر الراء المهملة في الآخر. ومعنى اسمها بالتركية أربعون رجلاً؛ وموقعها في آخر الإقليم السابع. قال في تقويم البلدان: القياس أنها حيث الطول خمس وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض خمسون درجة. قال: وهي قلعة عاصية على جبل لا يقدر أحد على الطلوع إليه، ووسط ذلك الجبل وطاة تسع أهل البلاد؛ وهي بعيدة عن البحر في شمالي صاري كرمان على نحو يوم، وعندها جبل عظيم شاهق في الهواء يقال له جاطوطاغ بفتح الجيم وألف وطاء مكسورة وواو ساكنة وطاء مهملة وألف وغين معجمة، يظهر للمراكب من بحر القرم.
الإقليم العاشر: بلاد الروس:
بضم الراء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. وهم جنس معروف. قال في تقويم البلدان: في شمالي مدينة بلار المذكورة. قال صاحب حماة في تاريخه: ولهم جزائر أيضاً في بحر نيطش وبلار في شماليه.
قال: وقد غلب عليهم دين النصرانية. قال في مسالك الأبصار: وإذا سافر المسافر على غربي جولمان وصل إلى بلاد الروس، ثم إلى بلاد الفرنج وسكان البحر الغربي. قال في تقويم البلدان: وفي شمالي الروس الذين يبايعون مغايبة. ونقل عن بعض من سافر إلى تلك البلاد أنهم يتصلون بساحل البحر الشمالي، فإذا وصلوا إلى تخومهم، أقاموا حتى يعلموا بهم، ثم يتقدمون إلى المكان المعروف بالبيع والشراء، ويحط كل تاجر بضاعته معلمةً ويرجعون إلى منازلهم، فيحضر أولئك القوم ويضعون قبالة تلك البضاعة السمور والثعلب والوشق وما شاكل ذلك، ويدعونه ويمضون، ثم يحضر التجار فمن أعجبه ذلك أخذه، وإلا تركه حتى يتفاصلوا على الرضا.
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ علاء الدين بن النعمان: أن البلاد التي يجلب منها السمور والسنجاب هي بلار المقدمة الذكر. قال ابن النعمان: وتجار بلادنا لا يتعدون بلاد البلغار، وتجار البلغار يسافرون إلى بلاي جقطاي، وتجار جولمان يسافرون إلى بلاد بوغزه، وهي أقصى الشمال ليس بعدها عمارة سوى برجٍ عظيم من بناء الإسكندر على هيئة المنارة العالية، ليس وراءه مذهب لأحد إلا الظلمات، فسئل عن الظلمات فقال: صحارٍ وجبالٌ لا يفارقها الثلج والبرد، ولا تطلع عليها الشمس، ولا ينبت فيها نبات، ولا يعيش فيها حيوان، متصلة ببحر أسود لا يزال يمطر، الغيم منعقدٌ عليه.
واعلم أن صاحب تقويم البلدان قد ذكر عدة أماكن من هذه المملكة سوى ما تقدم ولم ينسبها إلى إقليم.
منها كوماجر- بضم الكاف وسكون الواو والميم المشددة وألف وجيم وراء مهملة- وهي مدينة قريبة من الوسط ما بين باب الحديد والأزق، شرقي الأزق وغربي باب الحديد.
ومنها مدينة لكز- بفتح اللام وسكون الكاف وفي آخرها زاي معجمة- وهي مدينة يسكنها جنس من الترك يقال لهم اللكزى، وهم في الجبل الفاصل بين تتر مملكة بركة، وتتر مملكة هولاكو.
ومنها بلاد القيتق- بفتح القاف وسكون المثناة تحت وفتح المثناة من فوق وفي آخرها قاف ثانية، وهم جنس من الترك يسكنون الجبل المتصل باللكز من شماليه. قال في تقويم البلدان وهم قطاع طريق، وجبلهم متحكم على باب الحديد.
قلت: وهذه المملكة أوسع من أن يحاط ببلادها، وفيما ذكرناه مقنع لمن تأمله.
الجملة الثالثة في ذكر الأنهار العظام والبحيرات الواقعة في هذه المملكة:
أما الأنهار فقد ذكر في مسالك الأبصار أن بهذه المملكة سيحون وجيحون المقدم ذكرهما في مملكة ما وراء النهر، وذلك أنهما يمتدان من هذه المملكة إلى تلك، فيصدق وجودهما في المملكتين جميعاً. وقد تقدم ذكرهما هناك فأغنى عن إعادته هنا.
ثم المشهور مما يختص بهذه المملكة خمسة أنهار: أحدها نهر أثل- بفتح الهمزة وكسر المثلثة ولام في الآخر- فعرف بأثل، وهي مدينة بلنجر المقدم ذكرها، ويقال فيه نهر الأثل بالألف واللام أيضاً، وهو من أعظم الأنهار بتلك البلاد وأشهرها، ذكر في مسالك الأبصار عن الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أنه يكون قدر النيل ثلاث مرات أو أكثر، قال: وأصله من بلاد الصلقب. قال في تقويم البلدان: وهو يأتي من أقصى الشمال والشرق من حيث لا عمارة، ويمر بالقرب من مدينة بلار، وهي بلغار، ويستدير عليها من شماليها وغربيها، ويجري منها إلى بليدةٍ على شطه يقال لها أوكك ثم يتجاوزها إلى قرية يقال لها بلجمن، ويجري جنوباً ثم يعطف، ويجري إلى الشرق والجنوب، ويمر على مدينة صراي من جنوبيها وغربيها؛ فإذا تجاوز مدينة صراي افترق، ويصير على ما قيل ألف نهر ونهر، ويصب الجميع في بحر الخزر. قال في مسالك الأبصار: وتجري فيه السفن الكبار، ويسافر فيه المسافرون إلى الروس والصلقب.
الثاني نهر طنا. قال في تقويم البلدان: بضم الطاء المهملة وفتح النون وألف. قال في تقويم البلدان: وهو نهر عظيم يكون أكبر من دجلة والفرات إذا اجتمعا بكثير. قال: ويجري من أقصى الشمال إلى جهة الجنوب، ويمر في شرقي جبل يسمى قشغا طاغ. ومعناه الجبل الصعب، وهو جبل فيه أجناس مختلفة من أمم الكفر مثل الأولاق والماجار والسرب وغيرهم، فيمر في شرقيه، وكلما جرى جنوباً قرب من بحر نيطش المعروف الآن ببحر القرم، ولا يزال يتقارب منه ويقرب ما بين الجبل والبحر المذكور حتى يصب فيه في شمالي مدينة صقجي في شمالي القسطنطينية بميلة إلى الغرب.
الثالث نهر أزو. قال في تقويم البلدان: بالزاي المعجمة المفخمة بعد الألف وواو في الآخر. قال: وهو نهر عظيم يأتي من الشمال شرقي نهر طنا المقدم ذكره، ويمر مغرباً، ثم يعطف ويمر مشرقاً حتى يصب في خور من بحر القرم بين صاري كرمان وأقجا كرمان المقدم ذكرهما.
الرابع نهر تان. قال في تقويم البلدان: بتاء مثناة من فوق وألف ممالة ونون في الآخر. قال: وهو نهر عظيم شرقي أزو المقدم ذكره وغربي نهر الأثل يجري من الشمال إلى الجنوب، ويصب في بحيرة مانيطش المعروفة في زماننا ببحر الأزق عند مدينة الأزق من غربيها.
الخامس نهر طرلو. قال في تقويم البلدان بضم الطاء وسكون الراء المهملتين ولام وواو. قال: وهي نحو عاصي حماة، ويصب على القرب من أقجا كرمان في بحر نيطش المعروف ببحر القرم.
وأما البحيرات فالمشهورة بها بحيرة خوارزم: وهي بحيرة كبيرة ماؤها ملح.
قال ابن حوقل: دورها مائة فرسخ، وفيها يصب نهر جيحون في جانبها الجنوبي وفيها يصب نهر الشاش أيضاً، وبينها وبين البحر عشرون مرحلة، وبينها وبين خوارزم ست مراحل.
الجملة الرابعة في الطرق الموصلة إلى هذه المملكة:
ولها طريقان: طريق في البر، وطريق في البحر.
فأما طريق البر فقد تقدم في الكلام على مملكة إيران الطريق إلى شط جيحون. وقد ذكر في تقويم البلدان أن بين آمل الشط وبين خوارزم نحو اثنتي عشرة مرحلة. وذكر في مسالك الأبصار أن بين خوارزم ومدينة صراي نحو شهر ونصف، وأن بين خوارزم ومدينة صراي مدينة وجق ومدينة قطلود.
وأما طريق البحر فهو أن يركب المسافر إليها في بحر الروم من مدينة الإسكندرية أو مدينة دمياط من شمالي الديار المصرية، ويسير إلى خليج القسطنطينية المتصل ببحر الروم من جهة الشمال، ويركب فيه ويجاوزه إلى بحر نيطش المعروف ببحر القرم، ثم إلى بحر مانيطش المعروف ببحر الأزق وينتهي إلى آخره.
الجملة الخامسة في الموجود بها:
قد ذكر في مسالك الأبصار أن فيها من الحبوب والقمح، والشعير، والدخن، ويسمى عندهم الأرزن، والماش، والجاورس، وهو شبيه بحب البرسيم، على قلة في القمح والشعير، أما الفول فلا يكاد يوجد عندهم، وأكثر حبوبهم الدخن ومنه أكلهم، وبها من الفواكه جميع أنواع الفواكه إلا النخل، والزيتون، وقصب السكر، والموز، والأترج، والليمون، والنارنج، وذكر عن بلاد القبجاق أنها كانت قبل استيلاء التتار عليها معمورة الجوانب، وأنها في بقايا تلك العمارة والغراس، وأن فيها من الفواكه العنب، والرمان، والسفرجل، والتفاح، والكمثرى، والمشمش، والخوخ، والجوز، وفاكهة تسمى بلغة القبجاق بانيك شبيهة بالتين، وأن الفواكه كثيرة الوجود في جبالهم مع كثرة ما باد منها. قال: وأما البطيخ فينجب عندهم نجابة خاصة الأصفر، وهو في غاية صدق الحلاوة يقددونه ويجففونه فيبقى عندهم من السنة إلى السنة، وربما استخرجوا ماءه وصنعوا منه الحلوى؛ وعندهم من الخضراوات اللفت، والجزر، والكرنب، وغير ذلك، ثم قال: وكذلك مدن الجركس والروس والآص، وبها العسل الكثير الأبيض اللون اللذيذ الطعم الخالي من الحدة.
الجملة السادسة في المعاملات والأسعار بها:
أما المعاملات فقد ذكر في مسالك الأبصار عن عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن دينارهم رابحٌ كما في غالب مملكة إيران، وهو الذي عنه ستة دراهم، وأن الحبوب تباع كلها عندهم بالرطل، وذكر أن رطل خوارزم زنته ثلثمائة وثلاثون درهماً.
وأما الأسعار فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الصدر زين الدين عمر بن مسافر أن الأسعار في جميع هذه المملكة رخية إلى الغاية إلا كركنج أم إقليم خوارزم فإنها متماسكة في أسعار الغلات قل أن ترخص، بل إما أن تكون غليةً أو متوسطة لا يعرف بها الرخص أبداً. ثم ذكر عن شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان: أن الأسعار في خوارزم والسراي لا يكاد يتباين ما بينهما. قال: والسعر المتوسط عندهم القمح بدينارين ونصف، وكذلك الماش والشعير بدينارين، وكذلك الدخن والجاورس، وربما زاد، والغالب أن يكون سعره مماثل سعر القمح؛ واللحم الضأن على السعر المتوسط كل ثلاثة أرطال بدرهم. وذكر ابن مسافر أن اللحوم بها رخيصة، وأكثر ما يذبح بها الخيل.
وأما سكان البر فإن اللحم لا يباع لديهم ولا يشترى لكثرته، وغالب أكلهم لحوم الطير واللبن والسمن، وإن تلف لأحد منهم دابةٌ من فرسٍ أو بقرة أو شاة أو غير ذلك، ذبحها وأكل هو وأهله منها، وأهدى لجيرانه، فإذا تلف عند من أهدى إليه شيءٌ من ذلك، ذبحه أيضاً وأهدى لجيرانه، فلهذا لا تكاد بيوتهم تخلو من اللحم.
الجملة السابعة في ذكر ملوك هذه المملكة:
قد تقدم أنها قسم من مملكة توران، ومملكة توران كانت في القديم بيد افراسياب ملك الترك وتداولها ملوك الترك بعده إلى الفتوح الإسلامية وأسلم من أسلم من ملوكهم.
أما خوارزم فتوالت عليها الأيدي حتى صارت إلى محمود بن سبكتكين المقدم ذكره في ملوك غزنة من القسم الأول من هذه المملكة؛ ثم صارت لمسعود ابنه، واستناب فيها خوارزم شاه هارون بن الطيطاش؛ ثم قتله غلمانه عند خروجه إلى الصيد، واستولى عليها رجل يقال له عبد الجبار ثم وثب غلمان هارون بعبد الجبار فقتلوه، وولوا مكانه إسماعيل بن الطيطاش أخا هارون، ثم غلبه عليها شاه ملك بن علي، ثم غلبه عليها طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق، وبقيت بيد السلجوقية المقدم ذكرهم في مملكة إيران، إلى أن صارت منهم إلى بركيارق بن ملكشاه بن أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، فاستناب فيها علاء الدين محمد أنوشتكين في أيام بركيارق بن ملكشاه بن ميكائيل بن سلجوق السلجوقي، ولقب خوارزم شاه في سنة تسعين وأربعمائة.
ثم ولي بعده ابنه أطسز بن محمد؛ ثم غلبه على ذلك سنجر بن ملكشاه أخو علاء الدين محمد، فأقام بها من يحفظها في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، ثم غلبه عليها أطسز بن محمد المقدم ذكره، وبقي بها حتى توفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.
وملك بعده ابنه أرسلان بن أطسز وتوفي سنة ثمان وستين وخمسمائة.
وملك بعده ابنه سلطان شاه محمود صغيراً، وقامت أمه بتدبير دولته؛ ثم غلب على الملك أخوه علاء الدين تكش ثم غلبه أخوه سلطان شاه وطرده، ثم مات سلطان شاه وانفرد تكش بالملك ثم مات في سنة ست وتسعين وخمسمائة.
وولي بعده ابنه محمد بن تكش وكان لقبه قطب الدين فتلقب علاء الدين، وبقي حتى غلبه جنكزخان وهزمه في سنة تسع عشرة وستمائة، ثم مات بعد ذلك. ولما ملك جنكزخان أوصى بدشت القبجاق، وما معه لابنه طوجي، ويقال له دوجي أيضاً، فمات طوجي في حياة أبيه جنكزخان. فلما مات جنكزخان استقر في مملكة ما وراء النهر وما معه باتو بن طوجي بن جنكزخان، ثم مات باتو.
وملك بعده أخوه بركة بن طوجي وهو الذي تنسب هذه المملكة إليه، فيقال فيها بيت بركة، بمعنى هذه مملكة بيت بركة، كما يقال في مملكة إيران هي مملكة بيت هولاكو، قال صاحب الذيل على الكامل وكانت المكاتبة بينه وبين الظاهر بيبرس لا تنقطع، وبقي حتى توفي سنة خمس وستين وستمائة عن غير ولد.
وملك بعده ابن أخيه منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوجي خان، بن جنكزخان، وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وملك بعده أخوه تدان منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوجي خان، ابن جنكزخان وقيل سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وكان صاحب مصر قد جهز إلى منكوتمر هديةً فلم تصل إليه حتى مات، واستقر تدان منكو فقدمت إليه فابتهج بها، وعادت الرسل بجوابه بذلك، وبقي إلى سنة ست وثمانين وستمائة فأظهر الوله وتخلى عن المملكة وانتمى إلى المشايخ والفقراء.
وملك بعده تلابغا باشارته ابن منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوجي خان بن جنكزخان، وبقي حتى قتل في سنة تسعين وستمائة.
وملك بعده طقطغا بن منكوتمر بن طغان بن باطوخان بن جنكزخان.
والذي ذكره قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون في تاريخه أنه ملك بعد باطوخان أخو طرطو، ثم أخوه بركة، ثم منكوتمر بن طغان خان بن باطوخان ابن دوشي خان، ثم ابنه تدان منكو، ثم أخوه تلابغا، ثم أخوه جفطاي، ثم ابن أخيه أزبك، وهو الذي كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية. قال في التعريف: وخطب إليه السلطان فزوجه بنتاً تقرب إليه ثم ابنه جاني بك، ثم ابنه بردي بك، ثم ابنه طقتمش، ثم نائبه ماماي، ثم عبد الله بن أزبك، ثم قطلقتمر، ثم ماماي ثانياً، ثم حاجي جركس، ثم أيبك خان، ثم ابنه قاني بك خان، ثم أرص خان، ثم طقتمش خان بن بردي بك خان. قال: ومنه انتزعها تمرلنك وقتله.
قلت: والمعروف أن تمرلنك لم يملك هذه المملكة أصلاً ولا قتل طقتمش، وما ذكره وهم فيه.
وأول من أسلم من ملوك هذه المملكة من بني جنكزخان بركة بن طوجي ابن جنكزخان، وكان إسلامه قبل تملكه حين أرسله أخوه باطوخان لإجلاس منكوخان على كرسي جده جنكزخان، فأجلسه، وعاد فمر في طريقه على الباخرزي شيخ الطريقة، فأسلم على يديه وحسن إسلامه، ولم يملك بعد أخيه باطوخان إلا وهو مسلم، وتلاه من تلاه من ملوكهم بهذه المملكة في الإسلام حتى كان أزبك خان منهم، فأخلص في الإسلام غاية الإخلاص، وتظاهر بالديانة والتمسك بالشريعة، وحافظ على الصلاة وداوم على الصيام.
وقد حكى في مسالك الأبصار عن زين الدين عمر بن مسافر أن ملوك هذه الطائفة مع ظهور الإسلام فيهم وإقرارهم بالشهادتين مخالفون لأحكامها في كثير من الأمور، واقفون مع ياسة جنكزخان التي قررها لهم وقوف غيرهم من أتباعه، مع مؤاخذة بعضهم بعضاً أشد المؤاخذة في الكذب والزنا ونبذ المواثيق والعهود. وقد جرت عادة ملوكهم أنهم إذا غضبوا على أحد من أتباعهم، أخذوا ماله وباعوا أولاده، وأن في سلطان هذه المملكة طوائف الجركس والروس والآص، وهم أهل مدن عامرة آهلة، وجبال مشجرة مثمرة، ينبت عندهم الزرع، ويدر لهم الضرع، وتجري الأنهار، وتجنى الثمار، وهم وإن كان لهم ملوك فهم كالرعايا، فإن داروه بالطاعة والتحف كف عنهم، وإلا شن عليهم الغارات، وضايقهم، وحاصرهم، وقتل رجالهم، وسبى نساءهم، وذراريهم، وجلب رقيقهم إلى أقطار الأرض. ثم قال: والقسطنطينية مجاورة لأطراف ملك القبجاق وملك الروم معه في كلبٍ دائم، وافتراءات متعددة في كل وقت، وملك الروم، على توقد جمرته، وكثرة حماته وأنصاره، يخاف غارته وشره، ويتقرب إليه، ويداريه، ويدافع معه الأيام من وقت إلى وقت منذ تدير ملوك بني جنكزخان هذه المملكة. وما تخلو بينهم مدة عن تجديد عهود ومسالمة إلى مدة تؤجل بينهم، وأشياء تحمل من جهة ملك الروم إلى ملكهم.
الجملة الثامنة في مقدار عسكر هذه المملكة وترتيبها ومقادير الأرزاق الجارية عليهم وزيهم في اللبس:
أما مقدار عسكرها، فقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشيخ علاء الدين ابن النعمان أن عسكرها كثيرة تفوت الحصر، لا يعلم لها مقدار إلا أنه خرج مرة عليه وعلى القان الكبير اسنبغا سلطان ما وراء النهر خارجٌ، فجرد إليه من كل عشرة واحداً فبلغ عدة المجردين مائتين وخمسين ألفاً ممن دخل تحت الإحصاء سوى من انضم إليهم، وألزم كل فارس منهم بغلامين وثلاثين رأساً من الغنم وخمسة أرؤس من الخيل وقدرين نحاس وعجلة.
وأما ترتيب مملكتهم فحكى عن الشيخ نجم الدين بن الشحام الموصلي أن ترتيب هذه المملكة في أمر جيوشها وسلطانها كما في ترتيب مملكة العراق والعجم في عدة الأمراء والأحكام والخدم ولكن ليس لأمير الألوس والوزير بها تصرف أمير الألوس والوزير بتلك المملكة، ولا لسلطان هذه المملكة نظير ما لذلك السلطان من الدخل والمجابي وعدد المدن والقرى، ولا مشى أهل هذه المملكة على قواعد الخلفاء مثل أولئك؛ ولخواتين هؤلاء مشاركةٌ في الحكم معهم وإصدار الأمور عنهم مثل أولئك وأكثر، إلا ما كانت عليه بغداد بنت جوبان امرأة أبي سعيد بهادر بن خدابندا، فإنه لم ير من يحكم حكمها. قال المقر الشهابي بن فضل الله: وقد وقفت على كثير من الكتب الصادرة عن ملوك هذه البلاد من عهد بركة وما بعده وفيها واتفقت آراء الخواتين والأمراء على كذا أو ما يجري هذا المجرى.
وحكي عن الصدر زين الدين عمر بن مسافر عن أزبك خان سلطان هذه المملكة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون أنه لا التفات له من أمور مملكته، إلا إلى جمليات الأمور دون تفصيل الأحوال، يقنع بما حمل إليه ولا يبحث عن وجوه القبض والصرف؛ وأن لكل امرأة من خواتينه جانباً من الحمل، وأنه يركب كل يوم إلى امرأة منهن، يقيم ذلك اليوم عندها، يأكل من بيتها ويشرب، وتلبسه بدلة قماش كاملة، ويخلع التي كانت عليه من اللبس على من يتفق ممن حوله. ثم قال: وقماشه ليس بفائق الجنس ولا غالي الثمن، مع قربه من الرعايا القاصدين له، إلا أن يده ليست مبسوطة بالعطاء، ولو أراد هذا لما وفى به دخل بلاده، فإن غالب رعاياه أصحاب عملٍ في الصحراء أقواتهم من مواشيهم. ونقل عن نظام الدين بن الحكيم الطياري أن لسلطان هذه المملكة على جميعهم خراجاً يستأديه منهم، وأنهم ربما طولبوا بالخراج في سنة ممحلة لوقوع الموتان بدوابهم، أو سقوط الثلج ونحوه، فباعوا أولادهم لأداء ما عليهم من الخراج.
وأما مقادير أرزاق جندهم، فقد حكى عن شجاع الدين عبد الرحمن أن كل من كان بيد آبائه شيء من الإقطاع فهو بيد أبنائه. ثم قال: والأمراء لهم بلاد، منهم من تغل بلاده في السنة مائتي ألف دينار رابح وما دون ذلك إلى مائة ألف دينار رابح.
أما الجند فليس لأحد منهم إلا نقود تؤخذ، كلهم فيها على السواء، لكل واحد منهم في السنة مائتا دينار رابح.
وأما زيهم في اللبس، فحكى عن شجاع الدين الترجمان أيضاً أنه كان زيهم زي عسكر مصر والشام في الدولة الإسلامية وما يناسب ذلك، ثم غلب على زيهم زي التتر إلا أنهم بعمائم صغار مدورة.
القسم الثالث من مملكة توران: مملكة القان الكبير:
قال في التعريف: وهو أكبر الثلاثة، يعني ملوك الأقسام الثلاثة المتقدمة الذكر. وهو صاحب الصين والخطا ووارث تخت جنكزخان. قال: وقد تواترت الأخبار بأنه أسلم ودان بدين الإسلام، ورقم كلمة التوحيد على ذوائب الأعلام. قال: وإن صح وهو المؤمل، فقد ملأت الأمة المحمدية الخافقين، وعمرت المشرق والمغرب، وامتدت بين ضفتي البحر المحيط. قال في مسالك الأبصار: وهو القائم مقام جنكزخان والجالس على تخته. قال: وهو كالخليفة على بني عمه من بقية ملوك توران: من مملكة إيران، وصاحب القبجاق، وصاحب ما وراء النهر. فإذا تجدد في مملكة أحد منهم مهم كبير، مثل لقاء عسكر، أو قتل أمير كبير بذنب، أو ما يناسب ذلك، أرسل إليه وأعلمه به، وإن كان لا افتقار إلى استئذانه، ولكنها عادة مرعيةٌ بينهم.
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن نظام الدين بن الحكيم الطياري أنه لم يزل يكتب إلى كل من القانات الثلاثة، يأمرهم بالاتحاد والألفة، وإذا كتب إليهم بدأ باسمه قبلهم، وإذا كتبوا إليه بدأ باسمه قبلهم. قال: وكلهم مذعنون له بالتقدم عليهم. قال في مسالك الأبصار: وأهل هذه المملكة هم أهل الأعمال اللطيفة، والصنائع البديعة؛ التي سلمت إليهم فيها الأمم. وقد تكتب الكتب من أحوالهم بما أغنى عن ذكره. قال: ومن عادة المجيدين في الصنائع أنهم إذا عملوا عملاً بديعاً، حملوه إلى باب الملك، وعلق عليه ليراه الناس، ويبقى سنةً، فإن سلم من عائب أسدى إلى صاحبه الإحسان، وإن عيب عليه وتوجه العيب، وضع قدر الصانع ولم يوجه العيب على من عابه.
وقد حكى المسعودي في مروج الذهب أن صانعاً منهم صور عصفوراً على سنبلة في نقش ثوب كمخا وعلقه، فاستحسنه كل من رآه، حتى مر به رجل فعابه باستقامة السنبلة، لأن العصفور من شأنه أنه إذا وضع على السنبلة أمالها.
وحكى في مسالك الأبصار عن بدر الدين الإسعردي أن بعض صناعهم عمل ثياباً من الورق وباعها على أنها من الكمخاوات الخطائية، لا يشك فيها شاك، ثم أظهرهم على ذلك فعجبوا منه.
وحكي عن الشريف حسن السمرقندي أنه كان بهذه البلاد، فشكا ضرسه، فأراه لرجل من الخطا، فوضع يده عليه، فأخرج منه قطعة متأكلة، ووضع مكانها قطعة من ضرس أجنبي، ودهنه بدهن وأمره أن لا يشرب ماء يومه، فالتصق حتى صار كأنه من أصل الخلقة، إلا أن لون الأول يبين من اللون الثاني. وذكر المقر الشهابي أنه أراه له بحضرة الشيخ شمس الدين الأصفهاني وجماعة من أهل العلم. قال بدر الدين حسن الإسعردي: ولقد رأيت منهم من هذه الأعمال ما يحار فيه العقل.
ويحصل الغرض منه في ست جمل:
الجملة الأولى فيما اشتملت عليه هذه المملكة من الأقاليم:
واعلم أن هذه المملكة هي أوسع ممالك بني جنكزخان وأفسحها جوانب، وأكثرها أقاليم، وأوفرها مدناً، غير أنها بعيدة المسافة، منقطعة الأخبار، فجهلتلذلك أسماء أقاليمها، وتعذرت الإحاطة بأقطارها؛ ونحن نورد منها ما شاع ذكره في سائر الآفاق وانتشر، ونقنع من التفصيل بالجملة، ونكتفي من البحر بالنغبة.
والقول الجملي في ذلك أنه يشتمل على إقليمين عظيمين:
الإقليم الأول: الصين:
بكسر الصاد المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر. قال في تقويم البلدان: ويحيط به من جهة الغرب المفاوز التي بينه وبين الهند، ويحيط به من جهة الشرق البحر المحيط، ويحيط به من جهة الشمال أرض يأجوج ومأجوج وغيرها من الأراضي المنقطعة الأخبار عنا. ثم قال: وقد ذكر أصحاب المسالك والممالك في كتبهم بلاداً كثيرة، ومواضع وأنهاراً وغيرها في إقليم الصين؛ ولم يقع لنا ضبط أسمائها، ولا تحقيق أحوالها، فصارت كالمجهولة لنا لعدم من يصل من تلك النواحي من المسافرين إلينا لنستعلم منه أخبارها فأضربنا عن ذكرها.
وقد ذكر في مسالك الأبصار عن الشريف تاج الدين حسن بن الجلال السمرقندي، وهو من السفار، وممن جال الآفاق، ودخل الصين وجال بلاده، وجاب آفاقه، وجاس خلاله، وجال في أقطاره: أن بالصين ألف مدينة، وأنه دار الكثير منها. قال: وبلاد الصين كلها عمارة متصلة من بلد إلى بلد، ومن قرية إلى قرية.
وقاعدة هذه المملكة خان بالق. قال في تقويم البلدان: بفتح الخاء المعجمة ثم ألف ونون ساكنة وباء موحدة مفتوحة ثم ألف ولام مكسورة وقاف في الآخر. قال: وهي مدينة من أقاصي الشرق عند بلاد الخطا، واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة. وهي قاعدة مشهورة على ألسنة التجار وأهلها من جنس الخطا، وعندهم معادن الفضة. قال ابن سعيد: ويذكر عن عظم هذه المدينة ما يستبعده العقل. قال في مسالك الأبصار نقلاً عن الشريف حسن بن الجلال السمرقندي: إن مدينة خان بالق المذكورة مدينتان، قديمة وجديدة، والجديدة منهما اسمها ديدو، بناها ديدو آخر ملوكها فسميت باسمه، والقان الكبير ينزل بوسطها في قصر عظيم يسمى كوك طاق؛ ومعناه بلغة المغل القصر الأخضر، لأن طاق معناه عندهم القصر، وكوك معناه الأخضر؛ ومنازل الأمراء حوله خارج القصر؛ قال: وهي مدينة طيبة، واسعة الأقوات، رخية الأسعار، ويجمد بها الماء في زمن الشتاء فيصير كالثلج، فيرفع إلى أيام الصيف حتى يبرد به الماء كما يبرد بالثلج. ويشق مدينة ديدو المذكورة نهرٌ.
وبها أنواع الفواكه إلا العنب فإنه قليل بها؛ وليس بها نارنجٌ ولا ليمونٌ ولا زيتونٌ، ثم يعمل بها السكر. وبها من الزرع والجمال والخيل والبقر والغنم ما ل يدخل تحت الإحصاء.
وبالصين مدن مشهورة سواها: منها قراقوم. قال في تقويم البلدان: بفتح القاف والراء المهملة ثم ألف وقاف مضمومة وواو ساكنة وميم. قال: وهي مدينة في أقاصي بلاد الترك الشرقية، ومعنى قراقوم باللغة التركية الرمل الأسود، لأن قرا في لغتهم بمعنى الأسود، وقم بمعنى الرمل، ويقع في كثير من الكتب قراقرم بإبدال الواو راء وهو خطأ، وإنما كتبت الواو بها بعد القاف دليلاً على الضمة على عادتهم في ذلك- وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول مائة وست وخمسون درجة، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمس وعشرون دقيقة.
قال: وهي كانت قاعدة التتر، وفي جهاتها بلاد المغل: وهم خالصة التتر. ومنها خاناتهم. قال الشريف حسن بن الجلال السمرقندي: وفيها غالب عساكر القان الكبير. وبها يعمل القماش الفاخر، والصنائع الفائقة، وغالب ما يحتاج إليه القان يستدعى منها لأنها دار استعمال، وألها أهل صنائع فائقة. قال في مسالك الأبصار: وهي قرية جنكزخان التي أخرجته، وعريسته التي أدرجته.
ومنها الخنساء. قال في تقويم البلدان: بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة وألف. وهي مدينة واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
قال في تقويم البلدان حيث الطول مائة وخمس وستون درجة وأربعون دقيقة، والعرض ثمان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة. قال: وعن بعض المسافرين من بلادنا أن الخنساء في هذا الزمان أعظم فرض الصين، وإليها ينتهي وصول التجار المسافرين من بلادنا. قال الشريف السمرقندي: وطول الخنساء يوم كامل، وعرضها نصف يوم، وفي وسطها سوق واحد ممتد من أولها إلى آخرها، وأسواقها مبلطة بالبلاط، وبناؤها خمس طبقات بعضها فوق بعض، وكلها مبنية بالأخشاب والمسأمير، وشرب أهلها من الآبار، وأهلها في قشفٍ عظيم، وغالب أكلهم لحم الجاموس والإوز والدجاج. وفيها الأرز، والموز، وقصب السكر، والليمون، وقليل الرمان؛ وأسعارها متوسطة، وتجلب إليهم الغنم والقمح على قلة، ولا يوجد فيها من الخيل إلا ما قل عند أعيانها. وأما الجمال فلا توجد فيها البتة، فإن دخلها جملٌ تعجبوا منه. ونقل في مسالك الأبصار أن بينها وبين جالق بالق أربعين يوماً. وحكى عن الصدر صدر الدين عبد الوهاب بن الحداد البغدادي أنه وصل إلى الخنساء ووصف عظمة بنائها ومنعة رفعة مدينتها مع تشحط الأقوات بها ووفور المكاسب فيها ورخص الدقيق الجيد فيها وفي جميع تلك البلاد. قال: وأهلها يتفاخرون بكثرة الجواري السراري، حتى إنه ليوجد لأحد التجار وآحاد الناس أربعون سرية فما زاد على ذلك.
ومنها الزيتون. قال في تقويم البلدان عن بعض المسافرين الثقات:
هي بلفظ الزيتون الذي يعتصر منه الزيت، وهي فرضةٌ من فرض الصين- موقعها في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد حيث الطول مائة وأربع عشرة درجة، والعرض سبع عشرة درجة. قال: وهي مدينة مشهورة على ألسنة التجار المسافرين إلى تلك البلاد؛ وهي على خور من البحر، والمراكب تدخل إليها من بحر الصين في الخور المذكور، وقدره نحو خمسة عشرة ميلاً، ولها نهر عند رأس الخور المذكور.
وذكر في مسالك الأبصار عن الشريف السمرقندي أن مدينة الزيتون على البحر المحيط وهي آخر العمارة. قال: وبينها وبين جالق بالق شهر واحد.
ومنها السيلي. قال في تقويم البلدان: بالسين المهملة والياء المثناة التحتية ولام وياء ثانية. ثم قال: هكذا وجدناه في الكتب. قال: ويقال لها سيلا يعني باللام ألف، ورأيت في بعض الكتب سيلان بزيادة نون بعد اللام ألف.
قال: وهي مدينة في أقصى الصين الشرقي، خارجة عن الإقليم الأول إلى الجنوب. قال في القانون حيث الطول مائة وسبعون درجة، والعرض خمس درج، وهي في أعالي الصين من الشرق كجزائر الخالدات في بحر الغرب، لكن هذه معمورة في خصبٍ بخلاف تلك.
ومنها جمكوت. قال في تقويم البلدان: بالجيم والميم والكاف ثم واو وتاء مثناة فوقية في الآخر. قال: كذا وجدناها مكتوبة، واسمها عند الفرس جماكرد. قال: وهي مدينة في أقصى العمارة الشرقية، خارجة عن الإقليم الأول من الأقاليم السبعة إلى الجنوب. قال في الأطوال: وهي على خط الاستواء لا عرض لها. قال في تقويم البلدان: وهي على النهاية الشرقية مثل ما يحكى عن الجزائر الخالدات في النهاية الغربية. قال: وليس شرقي جمكوت عمارة أصلاً.
ومنها مدن أخرى مذكورة في الكتب مجهولة الضبط: إحداها مدينة ينجو- وموقعها في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة.
قال في الأطوال حيث الطول مائة وخمس وعشرون، والعرض اثنتان وعشرون. وقد ذكر في القانون أنها مستقر ملكهم الأكبر الملقب بطمغاج.
ومنها مدينة خانقو. بخاء معجمة وألف ونون وقاف ثم واو- وهي مدينة على النهر واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة قال في القانون حيث الطول مائة وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في تقويم البلدان: وهي من أبواب الصين. قال ابن سعيد: وموقعها شرقي نهر خمدان. قال ابن خرداذبه: وهي المرفأ الأكبر، وفيها الفواكه الكثيرة، والبقول، والحنطة، والشعير، والأرز، والعنب، والسكر.
ومنها مدينة خانجو- بإبدال القاف من المدينة السابقة جيماً- وهي مدينة على النهر، واقعة في الإقليم الأول من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال حيث الطول مائة واثنتان وستون درجة، والعرض أربع عشرة درجة. قال في القانون: وهي من أبواب الصين.
ومنها مدينة سوسة- بسينين مهملتين بينهما واو ساكنة وفي الآخر هاء.
قال في تقويم البلدان: وهي مدينة مشهورة كثيرة التجار متصلة العمارة، وبها يصنع الفخار الصيني الذي لا يفوقه ولا يعدله شيء من أعمال الصين. قال: وهي على شرقي نهر خمدان.
الإقليم الثاني: بلاد الخطا:
بكسر الخاء المعجمة وفتح الطاء المهملة وألف في الآخر، وهم جنس من الترك بلادهم في متاخمة بلاد الصين.
وقد ذكر في مسالك الأبصار مدينة قمجوهي بقاف وميم وجيم وواو ثم هاء وياء آخر الحروف. وقال: إنها أول بلاد الخطا، وإن منها إلى جالق بالق أربعين يوماً، بل ذكر أن مدينة جالق بالق التي هي قاعدة هذه المملكة من بلاد الخطا.
الجملة الثانية في معاملة هذه المملكة وأسعارها:
أما معاملاتها فقال في مسالك الأبصار: حدثني الفاضل نظام الدين ابن الحكيم أن معاملتهم بقشور من لحاء شجر التوت مطبوعةٍ باسم القان، فإذا عتق ذلك حمله صاحبه إلى نواب هذا القان وأخذ عوضه مع خسارة لطيفة، كما يؤخذ في دار الضرب مما يحمل إليها من الذهب والفضة ليضرب بها. وذكر عن الشريف حسن السمرقندي أن فيها كباراً وفيها صغاراً، فمنها ما يقوم في المعاملة مقام الدرهم الواحد، ومنها ما يقوم مقام درهمين، ومنها ما يقوم خمسة دراهم وأكثر إلى ثلاثين وأربعين وخمسين ومائة. وقد تقدم في الكلام على جالق بالق والخنساء ذكر ما بهما من الحيوان والحبوب والبقول وغير ذلك.
الجملة الثالثة في الطريق الموصل إلى هذه المملكة:
قد حكى في مسالك الأبصار عن الشريف تاج الدين السمرقندي: أن من سمرقند من بلاد ما وراء النهر إلى سيلي عشرين يوماً، ومن سيلي المذكورة إلى ألمالق عشرين يوماً، ومن ألمالق إلى قراخوجا إلى قمجوهي إلى خان بالق أربعين يوماً. ثم قال: ومن خان بالق إلى الخنساء طريقان: طريق في البر، وطريق في البحر، وفي كل من الطريقين من خان بالق إلى الخنساء أربعون يوماً. وذكر في الكلام على مملكة بيت بركة عن حسن الإربلي أن المسافر إذا سافر من جولمان على شرقيها وصل إلى مدينة قراقوم.
الجملة الرابعة في ذكر ملوكها:
قد ذكر المسعودي في مروج الذهب عدة ملوك من ملوك الصين قبلالإسلام وبعده، أسماؤهم أعجمية لا حاجة بذكرها، والمقصود معرفة حالها في أيام بني جنكزخان القائمين بها إلى الآن.
قد تقدم في الفصل الأول من هذا الكتاب الكلام على مبتدإ أمر جنكزخان وكيفية مصير الملك إليه فأغنى عن إعادته هنا.
ثم لما ملك جنكزخان أوصى بتخته المستولي فيه على هذا القسم من المملكة لولده الصغير أوكداي، ومات جنكزخان فاستقر ولده أوكداي، ثم استقر في هذه المملكة مكانه ابنه كيوك ثم مات.
فملك بعده منكوقان بن طولي بن جنكزخان، ومات سنة ثمان وخمسين وستمائة.
فملك بعده أري بكا، ثم قبلي خان، ثم دمرياق، ثم قرماي، ثم ترقاي كيزي، ثم قيان قان، ثم سند مرقان بن طولي بن جنكزخان، وهو الذي كان في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية، ثم انقطع خبرهم فلم يعلم من ملك منهم. وملوك هذه المملكة من بني جنكزخان كفارٌ يدينون بتعظيم الشمس، واقفون في الأحكام مع ياسة جدهم جنكزخان المقدم ذكرها في الفصل الأول. قال في مسالك الأبصار: ذكر لي الفاضل نظام الدين ابن الحكيم الطياري الكاتب البوسعيدي أنهم على ما هم عليه من الجاهلية على السيرة الفاضلة الشاملة لأهل مملكتهم ومن يرد إليها. قال الشريف السمرقندي: ومن عجائب ما رأيت في مملكة هذا القان أنه مع كفره في رعاياه من المسلمين أممٌ كثيرة وهم عنده مكرمون محترمون، ومتى قتل أحدٌ من الكفار مسلماً، قتل القاتل الكافر هو وأهل بيته ونهبت أموالهم، وإن قتل مسلمٌ كافراً لا يقتل به، بل يطلب بديته، ودية الكافر عندهم حمار لا يطلب بغيره.
الجملة الخامسة في عسكره:
قال بدر الدين حسن الإسعردي التاجر: وهذا القان ذو عسكر مديد. قال: والذي أعلم من حاله أن له اثني عشر ألف بازدار يركبون الخيل، وعساكره من المغل عشرون توماناٌ، وهي مائتا ألف فارس، أما من الخطا فمما لا يحصى.
الجملة السادسة في ترتيب هذه المملكة:
قال الشريف تاج الدين السمرقندي: وترتيب هذه المملكة أن لهذا القان أميرين كبيرين هما الوزراء، يسمى كل من يكون في هذه الرتبة جنكصان، ودونهما أميران آخران يسمى كل منهما بنجار، ودونهما أميران آخران يسمى كل منهما زوجين، ودونهما أميران آخران يسمى كل منهما بوجين. قال: وله كاتب هو رأس كتابه يسمى لنجون، وهو بمنزلة كاتب السر في بلادنا؛ والقان يجلس في كل يوم في صدر دار فسيحة تسمى شن، بمثابة دار العدل عندنا، ويقف الأمراء المذكورون حوله عن اليمين وعن الشمال على مقادير رتبهم، ورأس الكتاب المسمى لنجون، فإذا شكا أحدٌ شكوى أو سأل حاجة، أعطى قصته رأس الكتاب المذكور فيقف عليها، ثم يوصلها إلى أحد الأميرين اللذين يليانه وهما أصغر الكل فيقف عليها هو ومن معه، ثم يوصلانها إلى من يليهما في الرتبة، وهكذا إلى أن تصير إلى القان، فيأمر فيها بما يراه. وذكر عن الشريف أبي الحسن الكربلاي وكان ممن اجتمع بالقان في هذه البلاد أن لهذا القان أربعة وزراء يصدرون الأمر في مملكته كلها، ولا يراجع القان إلا في القليل النادر. قال: وإذا أراد القان أن يركب ركب في محفة ولا يظهر للناس إلا في يوم واحد، وهو مثل يوم مولده في كل سنة، فإنه يركب فرساً ويخرج إلى الصحراء ويعمل بها من الأطعمة والسماطات ما يغمر الناس، ويكون مثل يوم العيد عندهم.